ثمّ
أخذ في الاحتجاج لما صار إليه ، وقال في جملته : « إنّ الأمر ورد في الشريعة على
ضربين : أحدهما يقتضي إيجاب الفعل دون مقدّماته * ، كالزكاة والحجّ ، فإنّه لا يجب
علينا أن نكتسب المال ، ونحصّل النصاب ، ونتمكّن من الزاد والراحلة. والضرب الآخر
يجب فيه مقدّمات الفعل ** كما يجب هو في نفسه ، وهو الصلاة وما جرى مجراها بالنسبة
إلى الوضوء.
الفاضل البحراني ـ
في رسالته المعمولة في هذا الباب بعد نقل هذا القول ـ : وربّما لاح منه بعد تسليم
الإجماع على وجوب الأسباب وجه خامس هو القول بوجوب السبب والشرط الشرعي.
واعترض عليه :
بأنّه لا يخفى ما في هذه العبارة من الخفاء ، والأولى أن يقال : إنّه إن سلّم
الإجماع على وجوب الأسباب فيكون هذا القول قولا بوجوب الشرط الشرعي والسبب دون
غيرهما ويكون الأقوال ثلاثة ، وإن لم يسلّم الإجماع فيحتمل وجهين وجوب الشرط خاصّة
دون غيره مطلقا ، ووجوب الشرط والسبب معا دون غيرهما ، وحينئذ يمكن ارتقاء الأقوال
إلى خمسة » انتهى.
وذكر بعض الأجلّة
مكان ذلك قولا آخر وهو ـ على ما حكي ـ كون الأمر بالمسبّب عين الأمر بالسبب ،
مذيّلا له : بأنّ هذا في الحقيقة خارج عن المبحث.
وهذا ممّا يظهر
حكايته عن المصنّف أيضا ، وكأنّ وجه خروجه أنّ النزاع في وجوب المقدّمة تبعا لوجوب
ذيها ، والقول بأنّ وجوب المقدّمة هو المقصود بالأصالة من الأمر بذيها إذا كان
مسببا لا مدخل له في هذا العنوان كما لا يخفى.
نعم ، القول
الخامس المحقّق ما عثرنا عليه في كلام ابن إدريس في سرائره وإن لم نقف على من عدّه
هنا من أقوال المسألة ، وهو التفصيل فيما لا يتمّ الواجب إلاّ به بين الغسل لصوم
شهر رمضان الواقع قبل الفجر فيكون مندوبا ، وبين غيره مطلقا فيكون واجبا.
* بيان لما يكون
من أوامر الشريعة مشروطا ، فإنّ الأمر المشروط ليس أمرا بمقدّماته إجماعا مقدورة
كانت أو غيرها.
ولا يذهب عليك أنّ
مراده بالمقدّمات ما يرجع إلى الوجوب فقط بقرينة قوله : « لا يجب علينا أن نكتسب
المال ونحصّل النصاب » وفي حكمها ما يرجع إليه وإلى الوجود معا كما تقدّم.
** مراده بمقدّمات
الفعل بقرينة المقابلة للضرب الأوّل ما يرجع إلى الوجود فقط ،