أحدها : سنخ العمل
الاختياري بجميع اعتباراته وعنواناته ، منويّة كانت أو غير منويّة أو مختلفة.
وثانيها : العمل
الاختياري بالجهة الّتي وقع بلا نيّة بالنسبة إلى تلك الجهة ، وإن اشتمل عليها في
الجهة الاخرى ، كإكرام زيد مثلا أو ضربه إهانة أو أذيّة إذا استلزم إهانة عمرو أو
تأديبه ، فهو بالنسبة إلى الإهانة والتأديب غير منويّ فلا يكون عملا اختياريّا وإن
كان من جهة الإكرام والإهانة عملا اختياريّا لكونه منويّا من تلك الجهة.
وثالثها : المعنى
الخاصّ المصطلح في لسان المتشرّعة واجبا كان أو مندوبا. والنيّة أيضا محتملة لأن
يراد بها المعنى اللغوي المتداول في العرف وهو مطلق القصد ، أو المعنى الخاصّ
المتعارف في عرف المتشرّعة المعبّر عنه بقصد القربة ، والحاصل من ضرب الأوّلين في
الثلاث المتوسّطة ثمّ المرتفع في الأخيرين اثنا عشر احتمالا ، وظاهر أنّ الاستدلال
لا يتمّ إلاّ بانضمام الثاني من الأوّلين إلى ثالث الثاني مع ثاني الثالث وهو كما
ترى مخالف للأصل والظاهر من جهات عديدة ، والالتزام به بحمل الرواية عليه دونه
أصعب من خرط القتاد ، مع عدم دلالة معتبرة.
والّذي يظهر
بملاحظة أنّ الشارع ليس من شأنه إلاّ بيان ما يتعلّق بشرعه مع مراعاة سائر القواعد
[١] على قدر الإمكان إنّما هو التصرّف في النافية مع إبقاء
الباقيين على ما عليه بحسب الأصل ، فيكون مفاد الرواية حينئذ عدم الاعتداد بعمل
الغافل والهازل والساهي والمكره في عقودهم وإيقاعاتهم بل مطلق معاملاتهم وعباداتهم
، فلا يبقى فيها دلالة حينئذ على أنّه لا يكون عملا إلاّ بنيّة التقرّب حيث لا
شاهد فيها على هذا القصد ، فيبقى المتنازع فيه غير ثابت بتلك الرواية.
[١] منها : لزوم
الكذب لو حمل النفي على نفي الحقيقة و « النيّة » على أحد المعنين.
ومنها : لزوم تخصيص الأكثر لو
حمل النفي على نفي الآثار و « النيّة » على معناها الخاصّ ، ضرورة خروج المحرّمات
والمكروهات والمباحات بل سائر العقود والإيقاعات ، لعدم اشتراط شيء من ذلك بنيّة
التقرّب وليست الواجبات والمندوبات بالنسبة إليها إلاّ كشعرة بيضاء في بقرة سوداء
، ولزوم التجوّز في لفظ « العمل » لو حمل على مصطلح المتشرّعة مع التجوّز في «
النيّة » أيضا على بعض التقادير كما عرفت ، فيترجّح ما ذكرنا من جهة عدم استلزامه
شيئا من ذلك ، ولزوم التجوّز في كلمة « لا » لا بأس به بعد قيام القرينة الدالّة
على ذلك ، وهو صون كلام الحكيم عن الكذب واشتماله على ما لا شبهة في مرجوحيّته ولو
في مقابلة المجاز النادر فضلا عن المجاز الشائع. ( منه عفي عنه ).