فإن قلت : كيف
يدّعى شمول الأخبار الواردة في الباب ، مع أنّ اليقين الواقع فيها ظاهر في اليقين
الواقعي على ما يساعده الفهم والعرف.
قلت : الواقع
المعتبر وصفا لليقين إمّا أن يرجع إلى نفس اليقين أو إلى متعلّقه ، فإن اريد
الأوّل فهو أمر بيّن لا حاجة له إلى التنبيه ، لأنّ اليقين لا يشمل إلاّ ما هو
يقين في الواقع كما هو الشأن في سائر الموضوعات ، فما ليس بيقين في الواقع غير
مشمول للأخبار جزما ، ولكنّه غير مناف لما ادّعيناه في المقام ، لأنّ الغرض
استصحاب الحكم الظاهري في موضع اليقين به في الآن السابق ، كما لو ثبت طهارة شيء
أو نجاسته بإخبار العدلين أو إخبار ذي اليد في آن ثمّ صارتا مشكوكتين في بقائهما
بعد ذلك الآن لعارض ، ومثله حكم الحاكم أخذا بموجب البيّنة في آن مع الشكّ في بقاء
ذلك الحكم في آن آخر ، وغيره ممّا لا يحصى.
وإن اريد الثاني
فهو أمر لا يصغى إلى قبوله ، لوضوح المنع عن ظهور اليقين في كون متعلّقه أمرا
واقعيّا ، فإنّه ممّا ينكره العقل والعرف بل الشرع أيضا ، فلذا يحكم بصحّة صلاة من
تبيّن في ثوبه نجاسة بعد الصلاة غير معلومة له قبلها ولا أثناءها تعويلا على
اعتقاده بالطهارة قبلها وأثناءها ، بناء على وجوب إحراز شروطها قبل القيام بها
إحرازا علميّا.
فإن قلت : إنّ
الاستصحاب إنّما يعتبر إذا كان متيقّنا في زمان الشكّ ثبوته في آن اليقين ، فلذا
لا يعتبر استصحاب عدالة من شكّ في عدالته يوم الجمعة مثلا مع الشكّ في ثبوتها له
يوم الخميس ، وإن كانت في يوم الخميس ممّا تيقّن بثبوتها له ، وهذا هو الّذي يعبّر
عنه بعضهم بما كان شكّه ساريا مصرّحا بعدم اعتباره ، وهو في محلّ البحث من هذا
الباب ، لمكان الشكّ بعد ظهور فساد الظنّ في كون الضيق القاضي بوجوب التعجيل
والمبادرة هل كان ثابتا له حين الظنّ أو لا؟
قلت : هذا بالنظر
إلى الواقع ونفس الأمر وأمّا بالنظر إلى الظاهر فلا ، للجزم بأنّ المكلّف ما دام
ظانّا لم يكن له في مرحلة الظاهر حكم إلاّ وجوب المبادرة إلى أداء الواجب ، ولمّا
كان ذلك الحكم متعقّبا بظهور فساد الظنّ في الواقع فهو حكم ظاهري قد أثبته عليه
ذلك الظنّ.
ولكن الّذي يساعده
التأمّل ودقيق النظر هو الأوّل ، بناء على ما حقّقناه سابقا من أنّ الواجب قد قرّر
له الشارع وقتا محدودا في الواقع مقتضيا للتوسعة ما دام متّسعا ، وهو باق في
اتّساعه ـ على ما هو مفروض المسألة ـ فيتبعه التوسعة في الفعل ، والظنّ بالتضييق
لعارض لم يوجب انقلاب زمانه آخر الوقت في الواقع ، فإذا انكشف فساده بقى الوقت