ففيه : أنّ الوجوب
عليهم مبنيّ على وجوب الأمر على الأولياء وهو مفروض الانتفاء اتّفاقا ، فهو على
التقدير المذكور خارج عن محلّ البحث ، فلذا لو عمّمنا النزاع بالنسبة إلى الأمر
الندبي أيضا لكان ذلك من أمثلة الباب ، لثبوت الندب بالنسبة إلى الأولياء في الأمر
، فالاستدلال به حينئذ على النفي يكون مصادرة وهو باطل.
وممّا ذكر ظهر
فساد الاستدلال عليه : بأنّه لولاه لعدّ القائل : « مر عبدك بأن يتّجر » متعدّيا ،
ولعدّ قول القائل : « مر فلانا بكذا » مع نهيه عن طاعته تناقضا ، ولعدّ قول القائل
« وكّل فلانا » توكيلا ، فإنّ الأوّل خارج عن المتنازع فيه بعدم إرادة الوجوب عن
الأمر بالأمر ليكون تعديّا بالنسبة إلى العبد ، باستلزامه الأمر عليه بالاتّجار من
غير التسلّط عليه ، وعلى فرض إرادة الوجوب لا يلزم التعدّي ، إذ هو لازم لو لم يرض
المالك بتصرّفه ، وأمّا لو علم برضاه ولو من شاهد وقرائن الأحوال فلا ، ولو سلّم
التعدّي فتحريمه ممنوع ، كيف مع أنّ مجرّد ذلك الأمر لا يستلزم تصرّفا في العبد
ولو تعلّق به.
إلاّ أن يقال :
إنّ جعل ذمّته مشغولا بالمأمور به ـ كما هو المفروض ـ نوع تصرّف فيه وهو مشكل ،
وكذلك الثاني فإنّ النهي السابق أو المقارن أو اللاحق ينهض قرينة على عدم إرادة
المدلول الالتزامي من اللفظ ، فإنّها ممّا ينفي إرادة المدلول المطابقي الّذي هو
الموضوع له فضلا عن المدلول الالتزامي ، بل ويكشف ذلك في المقام عن عدم إرادة
الطلب أو الوجوب من الأمر الّذي هو مدلول المطابقي فلا تناقض أصلا ، وكذلك الثالث
فإنّه ليس
وأجاب عنه بعض الأجلّة : بأنّ
الممتنع هو تعلّق التكليف على سبيل الوجوب بالصبيان لا مطلقا ، بل يمكن كونهم
مأمورين بشيء على سبيل الاستحباب ، وما نحن فيه من هذا القبيل ، فإنّ الأمر
المتوجّه إلى البالغين هو الأمر الاستحبابي لا الوجوبي ولا محذور في تعلّقه
بالصبيان ، بل التحقيق أنّه ليس بتكليف حقيقة.
فمحصّل الجواب : منع الملازمة
إن اريد من التكليف الوجوبي ، ومنع بطلان التالي إن اريد الأعمّ ، سلمّنا الامتناع
مطلقا لكن عدم البلوغ هنا مانع من التعلّق ، ومن عدم تعلّقه بالمأمور الثاني في
محلّ خاصّ لسبب المانع لا يلزم عدم تعلّقه مطلقا وإن لم يكن هناك مانع.
واستدلّو أيضا : بأنّه يلزم
على هذا التقدير صحّة كون الشخص آمرا لنفسه إذا أمر غيره أن يأمره بفعل ، والتالي
باطل والملازمة ظاهرة.
وأجاب عنه بعض الأجلّة : بأنّ
المقصود ـ بعد تسليم الاستحالة ـ التذكّر لا الأمر غالبا ، والإرشاد إلى بعض
المصالح المتعلّقة بالمأمور توطئة أحيانا ، على أنّ عدم التعلق في محلّ لمانع ـ وهو
هنا استحالة كون الشخص آمرا لنفسه ـ لا يقدح في إثبات القاعدة كما مرّ ( منه ).