والتحقيق
: أنّ النقل المذكور عن أهل اللّغة غير ثابت * ، بل صرّح بعضهم بعدم صحّته.
وتاركه الذمّ
والعقاب فالتلازم بينه وبين الإيجاب إنّما هو بحسبه ، وإن أراد به وراء ذلك حتّى
يكون مرجعه إلى نفي التعدّد بينهما ، ففيه : منع واضح ، كيف وأنّهما متغايران ذاتا
ـ من حيث كون الإيجاب من مقولة الفعل ، والوجوب من مقولة الكيف ـ ومتعاقبان زمانا ـ
من حيث كونهما مترتّبين ترتّب العلّة والمعلول ـ ومتعدّدان محلاّ ـ من حيث كون
الأوّل وصفا للآمر والثاني وصفا للمأمور به ـ.
* ولا يخفى أنّ
مرجع ذلك إمّا إلى إبطال جعل الفرق الّذي اسند التصريح به إلى أهل اللغة ، أو إلى
إنكار دعوى كون السؤال للندب إن كان ذلك أيضا من جملة ما صرّح به أهل اللغة ، فلا تكون
العبارة نصّا ولا ظاهرا في أوّل الاحتمالين حتّى يرد عليه ما أورد بعض الفضلاء من
: أنّ التزام تعدّد وضع « الأمر » بالنسبة إلى العالي وغيره ممّا يأبى عنه الذوق
السليم ، لجواز أن يكون مراده ثانيهما فلا تعدّد في الوضع حينئذ كما لا يخفى.
ثمّ إنّ لأصحاب
هذا القول دليلا ثالثا حكاه بعض الأعاظم وهو : أنّ « الأمر » لطلب الفعل فلابدّ من
رجحان جانبه على جانب الترك ، وأدناه الندب لتساوي الطرفين في الإباحة ، وكون
المنع من الترك زائدا على الرجحان.
وفيه : أنّ رجحان
جانب الفعل على جانب الترك في « الأمر » إنّما هو من الامور الّتي تجب رعايتها على
الآمر إذا كان حكيما دفعا لقبح ترجيح المساوي أو المرجوح عن طلبه ، لا من الامور
الواجب رعايتها على الواضع حين الوضع واعتبارها في الموضوع له ، نظير القدرة
والمقدوريّة في المأمور به اللتين لا يجوز للحكيم الإهمال فيهما حين الطلب ، من دون
مدخليّة لهما فيما وضع له اللفظ ، فلذا يقال : بأنّ قول القائل : « طر إلى السماء
» لا اختلال فيه بحسب اللغة أصلا ، بل لو كان هناك اختلال فإنّما هو بحسب العقل
بالنظر إلى القائل من حيث منافاته لما فيه من الحكمة ، وإنّما الّذي يرتبط في محلّ
البحث باللغة ويتوقّع من الواضع هو جعل « الأمر » بإزاء الطلب مع كونه مقيّدا
بالمنع من الترك ، أو الإذن فيه أو مطلقا.
ومن البيّن أنّ
أوسط الاحتمالات ليس بأولى من أوّلها ، لتساوي كلّ منهما في