الفعل بمعنى كونه
على وجه يستحقّ تاركه الذمّ لم يمكن تخلّفه عنه.
أقول : وكأنّ مرجع
كلام المحقّق إلى تعميم ترتّب الذمّ الّذي أخذ جزءا من الموضوع له على هذا الفرض
بالنسبة إلى الواقعي والظاهري معا ، كما ادّعى نظير ذلك في النسبة الّتي جعلت جزء
ممّا وضع له الفعل ، بل المركّبات الإسناديّة.
ومن هنا لا يعدّ
الكذب في الإخبارات من باب التجوّز ، بل هو الحال في سائر الإنشاءات طلبيّة
وغيرها.
ألا ترى أنّه لا
تجوّز في قول القائل : « ليتني أموت » أصلا مع عدم كونه ناظرا إلى الواقعي ، وأنّه
لا فرق بين قولك : « ستضرب زيدا » وقولك : « اضرب » في عدم حصول المدلول في الخارج
إذا كان مخاطبك ممّن لا يصدر منه الضرب في شيء من خطابيك ، مع أنّه لا تجوّز في
شيء منهما.
وأمّا ما أورد
عليه الفاضل المذكور فكأنّه مبنيّ على الخلط بين ما هو مناط الفرق بين الإخبار
والإنشاء ، وما هو مصبّ الدلالات اللفظيّة من الواقع والظاهر ، وجواز تخلّف الثاني
من الأوّل ، كيف ولو جعل المدار في الإنشاءات على عدم جواز تخلّف المدلول عنها
لامتنع عدم الامتثال في الأوامر والنواهي ، أو خرجت عن كونها أوامر ونواهي وهو كما
ترى ، بل إنّما جعل المدار فيها على عدم ورودها مورد الحكاية ، كما أنّ الإخبارات
جعل المدار فيها على ورودها موردها.
وإلى ذلك ينظر
تحديدهم المعروف : « بأنّ الخبر كلام لنسبته خارج تطابقه أو لا تطابقه بخلاف
الإنشاء » فكأنّ في العبارة إضمارا ، أى لنسبته خارج تطابقه أو لا تطابقه من حيث
وقوعها حكاية عنه ، لئلاّ يفوت الحدّان عليهم بلا محصّل ، ولا التفرقة بينهما بلا
ثمر ، ضرورة عدم ورود الإنشاءات بأسرها مورد الحكاية بخلاف الإخبارات بأجمعها ،
فيكون ما أفاده المحقّق واردا مورد التحقيق ، إذ لا ملازمة بين مدلول الإنشاءات
عنها وبين خروجها عن حدّها.
وأمّا الجواب عن
ثاني الوجهين : فبما قرّرناه سابقا في ذكر أقوال المسألة في الفرق بين الإيجاب
والوجوب مفصّلا ، ومحصّله : أنّ من يجعلهما متّحدين بالذات مختلفين بالاعتبار إن
أراد به كونهما متلازمين فهو مسلّم ، ولكنّه لا يرد على المجيب شيء في المقام لعدم
كونه ممّن ينكر ذلك ، ولو فسّر الإيجاب بطلب الفعل مع عدم الرضا بتركه فالتلازم
بينه وبين الوجوب إنّما هو بحسبه ، ولو فسّر الوجوب بكون الفعل بحيث يستحقّ فاعله
الثواب