أفراد المأمور به
في مقام الامتثال فلا ينافي وجوبه ، لانطباقه على التخيير العقلي الثابت في جميع
الواجبات بالقياس إلى أفرادها ، فلا يتمّ التقريب بكون الإتيان بأصل المأمور به
مردودا إلى مشيّتنا كما في كلام الأكثرين ، أو بأنّ الردّ إلى مشيّتنا في بعض
المأمور به يفيده في الكلّ فيفيد الندب كما في كلام بعض الأعاظم ، والفرق بين
التقريرين ابتناء الأوّل على فهم الابتدائيّة من كلمة « من » وابتناء الثاني على
فهم التبعيض كما لا يخفى.
وخامستها : كون
المراد بـ « الاستطاعة » المشيّة كما هو مناط كلام المستدلّ ، إذ لو اريد بها
القدرة لقضت بما هو مفاد قوله : « ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه » و « الميسور لا
يسقط بالمعسور » وإن قدّرنا لفظة « ما » موصولة أو موصوفة ، أو بوجوب التكرار في
المأمور به إنّ قدّرناها مصدريّة ، ولا ينافي شيء من ذلك وجوب المأمور به بل
يؤكّده [١].
وأنت خبير بأنّ
المقدّمة الاولى وإن لم يساعدها اللفظ من حيث كونه من أدوات الإهمال ـ على ما صرّح
به غير واحد ، ويشهد به الفهم والعرف ـ إلاّ أنّها ثابتة بقيام قرينة قاضية بإرادة
العموم في خصوص المقام ، من حيث كونه صلىاللهعليهوآله في مقام ضرب قاعدة وتأسيس ضابطة ، كما يشهد به سوق الرواية
صدرا وذيلا فلابدّ من كونها كليّة مطّردة ، فلا وجه لما اورد على الاستدلال بأنّ «
إذا » من أدوات الإهمال فلا تفيد العموم ، كما في قولك لعبدك : « أكرم زيدا إذا
جاءك » والمفروض إنّ النكرة في سياق الإثبات أيضا لا تفيد العموم ، فلعلّ في هذا
المقام أمرا واحدا يصدر عن النبيّ صلىاللهعليهوآله مقرونا بدلالة قاضية بإرادة الندب ، فتكون [ في ] هذه
الرواية دلالة على أنّ المكلّف في ذلك الأمر مخيّر في القدر المأتّي به وفي
الإتيان ، فهو معلّق على مشيّته وإرادته ، فلا حاجة إلى أن يجاب عنه حينئذ بأنّ
كلمة « إذا » متى فهم منها السببيّة كقولك : « إذا أشبعت فاحمد الله » تكون بمعنى
« متى » فتفيد العموم وإلاّ فمهملة وما نحن فيه من الأوّل دون الثاني ، حتّى
يتوجّه إليه المنع ، إلاّ أن
[١] ولا يخفى أنّ في
قوله : « فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم » احتمالات كثيرة جدّا متجاوزة عن
ألف وخمسمأئة ، إذ الأمر في قوله : « أمرتكم » يحتمل أن يراد منه الطلب الحتمي أو
الندبي أو الطلب المطلق أو الصيغة الدالّة على الطلب الحتمي أو الندبي أو المطلق ،
وعلى جميع التقادير فالمراد بـ « إذا » إمّا العموم أو الإهمال ، وعلى جميع
التقادير فالمراد بـ « الشيء » إمّا كلّي له أفراد أو كلّ له أجزاء أو أعمّ منهما
، وعلى جميع التقادير فالمراد بقوله : « فأتوا » إمّا الوجوب أو الندب أو الإرشاد
أو الإباحة ، وعلى جميع التقادير فالجارّ إمّا ابتدائيّة أو تبعيضيّة ، وعلى جميع
التقادير فلفظة « ما » إمّا مصدريّة أو موصولة أو موصوفة ، وعلى جميع التقادير
فالمراد « بالاستطاعة » إمّا القدرة أو المشيّة ، وأنت بعد التأمّل واستخراج الصور
تعرف مفاد كلّ احتمال وصحّته وسقمه ( منه عفي عنه ).