أحدهما
: قوله صلىاللهعليهوآله : « إذا أمرتكم بشيء
فأتوا منه ما استطعتم » *. وجه الدلالة : أنّه ردّ الاتيان بالمأمور به إلى
مشيّتنا ، وهو معنى الندب **.
الخبر ثبوت المعنى
المصدري للمخبر عنه ونقيضه خلاف ذلك ، ومعنى كونه مانعا عن ذلك كون مدلوله هو
الأوّل ، ضرورة أنّه يستلزم ممنوعيّة الثاني ، وهذا المعنى بعينه موجود في الصيغة
إذا كانت للندب ، فإنّ معناها حينئذ طلب إيجاد الفعل بعنوان أنّ تركه مرضيّ به ،
ونقيضه انتفاء ذلك الطلب والأوّل مانع عن الثاني جزما ، كما أنّ مدلولها إذا كانت
للوجوب طلب إيجاد ذلك الفعل بعنوان الحتم والإلزام ، وهو مانع عن نقيضه وهو انتفاء
الطلب بالمرّة.
* واعلم أنّ هذه
فقرة مذكورة في ذيل رواية نقلها بعض الفضلاء مرسلة ، وهي ـ على ما في كلامه ـ أنّه
خطب رسول الله صلىاللهعليهوآله فقال : إنّ الله كتب عليكم الحجّ ، فقام عكاشة ويروى سوادة
بن مالك فقال : أفي كلّ عامّ يا رسول الله؟ فأعرض عنه حتّى عاد مرّتين أو ثلاثا ،
فقال : ويحك وما يؤمنك أن أقول : نعم؟ والله لو قلت : نعم لوجب ، ولو وجب ما
استطعتم ، ولو تركتم لكفرتم ، فاتركوني ما تركتكم ، وإنّما هلك من كان قبلكم بكثرة
سؤالهم واختلافهم إلى أنبيائهم ، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم ، وإذا
نهيتكم عن شيء فاجتنبوه.
** ولا يخفى أنّ
الاستدلال بذلك إنّما يتمّ بإحراز مقدّمات :
أحدها : إرادة
العموم من لفظة « إذا » لكون الأمر الّذي مرادا به الندب في الجملة ممّا لا نزاع
فيه حتّى يفتقر إلى الاستدلال ، مع عدم قضائه على هذا التقدير بما هو المدّعى في
المقام.
وثانيتها : كون
المراد بالأمر الندب أو الطلب المطلق ، أو الصيغة الدالّة على أحدهما ، لئلاّ يلزم
التناقض بينه لو اريد به الوجوب أو الصيغة الدالّة عليه وبين قوله : « ما استطعتم
» على تقدير إرادة المشيّة منها ، ضرورة تنافي التعليق على المشيّة للوجوب المانع
عن النقيض.
وثالثتها : كون
المراد بقوله : « فأتوا » الندب ليتمّ التقريب ، ويندفع التنافي بينه لو اريد به
الوجوب وبين الأوامر الّتي اريد منها الندب كما هو الفرض.
ورابعتها : كون
لفظة « ما » مصدريّة أو كانت موصولة أو موصوفة ، مع كون المراد بـ « شيء » كلّ له
أجزاء لا كلّي له أفراد ، سواء كانت كلمة « من » ابتدائيّة أو تبعيضيّة ، إذ لو
كانت موصولة أو موصوفة مع كون المراد بـ « الشيء » كلّي له أفراد لكان مفادها
التخيير بين