بناء العرف وأهل
اللسان ، والظنّ الّذي قام الدليلان على اعتباره ما إذا تعلّق بوصف التبادر وهو
كونه من حاقّ اللفظ ناشئا عن الاصول الاجتهاديّة لا ما إذا تعلّق بذاته ، بل
الظاهر من طريقة القوم بل العرف لزوم القطع به ، فلذا يوجبون الفحص التامّ عند
العمل بالتبادر وغيره من الأمارات ، فتأمّل جدّا [١].
وثالثها : إجماع
الصحابة على الاحتجاج بالأوامر الواردة في الشريعة كتابا وسنّة من غير نكير على
الوجوب ، كما حكاه في النهاية وحكى نقله عن جماعة من الخاصّة والعامّة ، بتقريب :
أنّه كاشف عن فهمهم الوجوب منها ، فهو الحجّة في اللغات لكونهم من أهل اللسان ،
ثمّ بضميمة أصالة عدم النقل ونحوها يتمّ المدّعى ، كما أنّ احتمال استناد فهمهم
إلى الخارج من اللفظ يندفع بالأصل ، فلا يرد عليه ما تقدّم في كلام بعض الأفاضل من
أنّ قضيّة الإجماع المذكور انصراف « الأمر » إلى الوجوب وهو كما عرفت أعمّ من وضعه
له.
وأمّا المناقشة
فيه تارة : بكونه إجماعا سكوتيّا فلا عبرة به ، واخرى : بكونه منقولا بالآحاد فلا
يفيد العلم.
فيدفعها : ما
أشرنا إليه من أنّ التمسّك به إنّما هو لكشفه عن الحجّة في المقام ، لا لأنّه
بنفسه دليل حتّى يقدح فيه كونه سكوتيّا ، فإنّ الفهم من أهل اللسان حجّة ولو من
واحد منهم فلا حاجة إلى كونه من الكلّ حتّى يمنع عن تحقّقه بالقدح المذكور ، وكونه
منقولا بالآحاد إنّما يقدح في حصول العلم بالمجمع عليه لا ما هو معتبر في اللغات
وهو الظنّ ، إلاّ أن يؤول ذلك إلى منع اعتبار الظنّ في صغرى القياس أيضا كما تقدّم
، لأنّ الظنّ بالإجماع هاهنا ظنّ بأصل الفهم.
ثمّ إنّ في المقام
وجوها اخر استدلّ بها ، ولكن كلّها واهية جدّا لا ينبغي التعويل عليها.
منها : قول النبيّ
صلىاللهعليهوآله لبريرة الّتي كانت جارية لعائشة ، وقد زوّجتها من عبد
فلمّا اعتقتها وعلمت بخيارها في نكاحها وهي كارهة لزوجها ، فأرادت مفارقته فاشتكى
إلى النبيّ صلىاللهعليهوآله فقال صلىاللهعليهوآله : « ارجعي إلى زوجك فإنّه أبو ولدك ، وله عليك حقّ فقالت :
يا رسول الله أتأمرني بذلك؟ فقال : لا إنّما أنا شافع ، فقالت : لا حاجة لي فيه »
بتقريب : أنّه صلىاللهعليهوآله نفى « الأمر » وأثبت الشفاعة الدالّة على الندبيّة ، فلو
كان « الأمر » حقيقة في الندب لما كان لذلك وجه كما لا يخفى.
[١] وجه التأمّل :
أنّ الفحص الّذي يوجبه القوم في العمل بالتبادر ونحوه ، إنّما هو لتحقيق وصف
التبادر على طريق العلم أو الظنّ لا لتحقيق أصله ، فلعلّ الظنّ بالتبادر كاف عندهم
وفيه إشكال واضح ( منه عفى عنه ).