بالنصّ أو
الاستنباط وقطع النظر عن اشتراط عدم شمول دليل علّة حكم الأصل أو علّة اخرى لحكم
الفرع ، صحّ القياسان على قواعد العامّة [١] مطلقا ، وعلى
قواعدنا [٢] إن ثبت الحكم فيهما بعلّة منصوصة ، أو إيمائيّة معتبرة ،
سواء اتّحدا في العلّة أم تغايرا فيها ؛ لأنّ حكم الأصل القريب قد ثبت في الأوّل
أصلا ، وفي الثاني فرعا بالنصّ ، أو أحد طرق الاستنباط بعلّة واحدة ، أو علّتين.
وتعليل الحكم بعلّتين جائز على الأقوى.
غاية الأمر أنّه
في صورة اتّحاد العلّة لمّا ثبت بعلّة منصوصة أو مستنبطة وثبت حكم آخر في محلّ آخر
بها ، فتارة قيس غيره عليه ملاحظة لكونه ثابتا بالنصّ أو الاستنباط ، وتارة قيس
على الآخر إغماضا عنه.
وفي صورة تغايرها
لمّا ثبت بعلّة منصوصة أو مستنبطة ، وثبت حكم آخر بعلّة اخرى موجودة فيه ، فتارة
قيس غيره عليه لكونه ثابتا بالنصّ أو الاستنباط ، وتارة قيس على الآخر لوجود علّته
فيه ، فهو ليس من المتنازع هنا ؛ لأنّ مرجعه إلى أنّه يمكن إثباته بالقياس باعتبار
، وبغيره باعتبار آخر ، وقد صار حكم الأصل في القياس الأوّل بالاعتبار الأخير.
نعم ، إن لوحظ
اشتراط عدم شمول دليل علّة حكم الأصل ، أو علّة اخرى لحكم الفرع ، لم يصحّ القياس
الثاني. وأمّا الأوّل ، فيصحّ على كلّ حال. فالمتنازع هنا أن يثبت حكم الأصل
القريب في القياس الأوّل لا بالعلّة الاولى ، بل بالعلّة الثانية ، بأن يكون مرجعه
إلى ما لم يمكن إثباته إلاّ بالقياس ، سواء اتّحدت أم لا. وحينئذ نقول : الحقّ
أنّه لا يجوز كما ذهب إليه الأكثر [٣].
لنا : أنّه لو
اتّحد القياسان في العلّة ، فالقياس على الأصل البعيد وذكر القريب عبث ، كما إذا
قال المستدلّ : السفرجل ربويّ كالتفّاح بجامع الطعم ، ثمّ يقيس التفّاح على البرّ
بهذا الجامع ؛ فإنّ إمكان قياس السفرجل على البرّ أوّلا جعل توسّط التفّاح لغوا.
ومنه قياس الوضوء على التيمّم ، والتيمّم على الصلاة في اشتراط النيّة بجامع
العبادة.
وإن تغايرا فيها
لم ينعقد القياس الأوّل ؛ لأنّ العلّة الاولى لم يثبت اعتبارها بوجه ؛ لأنّ
[١] راجع : المحصول
٥ : ٣٦٠ ، والإحكام في أصول الأحكام ٣ : ٢١٥.
[٣] منهم : الفخر
الرازي في المحصول ٥ : ٣٦٠ ، والآمدي في الإحكام في أصول الأحكام ٣ : ٢١٦ ،
والعلاّمة في تهذيب الوصول : ٢٦٤ ، والأسنوي في نهاية السؤل ٤ : ٣٠٣.