أحدهما : أنّ
الحكم لمّا كان غايته قطع المنازعة لا يجوز نقضه لحاكم آخر ، بل يصير أصلا يجب أن
ينفّذه غيره من الحكّام ما لم يخالف دليلا قطعيّا ، والفتوى يجوز نقضه لمفت آخر
إذا خالف ما أدّى إليه اجتهاده ، وللمستفتين إذا لم يقلّدوه.
وثانيهما : أنّ
حجّيّة كلّ حكم إنّما هي لمورده ، فلا تتعدّى إلى مثله وإن لم يتبدّل المتداعيان
فيه ، بل لا بدّ فيه من حكم جديد من هذا الحاكم ، أو غيره.
والفتوى في مورد
يعمّ حجّيّته لمثله وإن تبدّل المستفتي ، فكلّ فتوى يجوز أن يعمل به كلّ من بلغه
إذا كان معتقدا للمفتي وإن لم يكن مستفتيا ، بل سمعه بواسطة أو بدونها ، ولا
يتوقّف على فتوى جديد من هذا المفتي ، أو غيره.
والفرق الأخير
يعمّ مطلق الحكم والفتوى ، سواء كانا من الإمام أو المجتهد. وأمّا الفرق الثاني [١] ، فيختصّ بالحكم والفتوى الصادرين عن المجتهد ؛ لأنّ فتوى الإمام لا يجوز
نقضه كحكمه.
ويلخّص ممّا ذكر
أنّ الحكم لا يجوز نقضه مطلقا [٢]. ويشترط وجود حاكم لكلّ متداعيين في كلّ مورد ، ولا يكفي
حكمه في مورد لمثله. والفتوى من الإمام في مورد لا يجوز نقضه ويجب العمل به على
كلّ أحد في مثله ، ومن غيره في مورد يجوز نقضه والعمل به لمن سمعه في مثله بالشرط
المذكور.
ثمّ إنّك قد عرفت [٣] أنّهما من مناصب الإمام ، إلاّ أنّ المجتهد لمّا كان نائبا عامّا من قبله
فيتمكّن من التصرّف فيهما وفي كثير آخر من مناصبه ، كالتصرّف في أموال الأيتام
والغائبين ، وغيره ممّا ضبط في كتب الفروع. وقد بقي بعض مناصبه مختصّا به لم يدخل
تحت الإذن العامّ ، كالجهاد وغيره ، ويشترط فيه وجود الإمام ، أو إذنه الخاصّ ،
ولا يجوز لنائبه العامّ التصرّف فيه.