في منزلة بين
منزلتين ، فأدى الخلاف في هذه المسألة إلى انفصال واصل بن عطاء وعمرو بن
عبيد عن الحسن الصري ، وشكّلوا النواة الأولى لمذهب الاعتزال. [١]
قال أبو زهرة : وقد وجد في عهد علي كرم
الله وجهه الجدل في مسألة أخرى غير مسألة القدر ، وهي مسألة ( مرتكب
الكبيرة ) فإن الجدل في هذه المسألة أثاره الخوارج بعد التحكيم ، إذ حكموا
بكفر من رضي بالتحكيم باعتباره كبيرة في نظرهم ، وكفروا علياً (رض) كما
كفروا من معه ، وقد جرّ هذا إلى المناقشة في شأن مرتكب الكبيرة أهو مؤمن أو
غير مؤمن ؟ وأهو مخلد في النار يوم القيامة أم يرجى له الغفران ؟ وإن رحمة
الله وسعت كل شيء ، وأخذ الجدل فيها ينمو ويزيد حتى اختلف العلماء في ذلك
اختلافاً كبيراً ، ويعد بعض العلماء هذه المسألة رأس المسائل التي عنوا بها
حتى كانت السبب في تسميتهم المعتزلة. [٢]
ولكن كل تلك الأحداث كانت لصالح فكرة
الخلود في جهنم وتأكيد عليها ، وقد استمرت تلك الحالة بين المتكلمين
والمفسرين فيما بعد ، حيث كانوا متفقين في مسألة الخلود في جهنم ، ولم يكن
ثمة من يعارض فكرة الخلود في النار حتى القرن السابع الهجري ، ففي هذا
القرن برزت آراء معارضة للقول بالخلود في النار من قبل ابن تيمية وتلميذه
ابن القيّم الجوزية ، فذهبوا إلى القول بفناء النار وانقطاع عذاب أهلها.
وأما بالنسبة إلى العرفاء ، فالمشهور أن
أول من خالف الخلود في العذاب هو محي الدين ابن عربي ( ٥٦٠ ـ ٦٨٣ ه )
مستدلاً على انقطاع العذاب من أهل النار مع أنه القائل بخلودهم في جهنم ،
وتابعه على هذا القول أكثر من تأخر عنه من العرفاء.
[١].
راجع : هاشم معروف الحسنى ، الشيعة
بينالأشاعرة والمعتزلة ، ص ٢٢٤ ، ٢٢٥ ؛ فضل الله الزنجاني ، تاريخ
علم الكلام في الاسلام ،
ص ١١٦.
[٢].
محمد أبو زهرة ، تاريخ
المذاهب الاسلامية
، ج ١ ، ص ١٠٢.