ككونها قبلها إلا
أنها زال عنها مانع الألم ، فتتألم وليست منطبعة ، بل لها علاقة شوقية إذا
لم يحصل لها ملكة الاتصال بالعقل الفعال ، وقد حيل بينها وبين ما تشتهي
فتتألهم بجهلها المركب ، والجهل المركب هو عدم العلم بالحق مع اعتقاد نقيضه
(
وَمَن كَانَ فِي هَٰذِهِ أَعْمَىٰ فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ
أَعْمَىٰ وَأَضَلُّ سَبِيلًا )
فتبقى مقهورة مخذولة مالها من شفيع ولا حميم في نار روحانية أشد من نار
جسمانية ، والجهل المركب هو الذي لا يرجى فيه النجاة بل يتأبد ، وما كان
بسبب عوارض فيزول. [١]
فالشيخ السهروردي يصف النفوس التي
اكتسبت هيئات وملكات نفسانية ردية بحيث تمكنت من أنفسهم ، وأصبحت هذه
الهيئات والملكات جزءاً من جوهر النفس يصفهم بالجهل المركب ، لأن هذه
النفوس لم تعتقد بأن اللذة والكمال هي في التشبه بالمادي والتجرد عن المادة
، بل اعتقدت بنقيض ذلك ، أي اعتقدت بأن كمالها ولذتها هو في الانغماس
وانشغال بالمادة والماديات ، وكذلك خرجوا عن حد العدالة في القوة الشهوية
والغضبية ، وفي استعمال القوة العملية فيما يدبر به الحياة وما لا يدبر ،
ونتيجة لذلك استحقوا الخلود في العذاب الأبدي ، فلا ترجى لهم النجاة.
أما الذين اكتسبوا هيئات وملكات ردية
ولكنها ما تمكنت من أنفسهم وليس لديهم جهل مركب ، بل لديهم علم بالمبادىء
والعقول ، ولكنهم تركوا الجانب العملي من النفس أو أفرطوا فيها ، ولذا فهو
يقول عنهم في رسالة ( پرتونامه ) : أما أولئك الذين لديهم علم ، ولكن لم
يقوموا بالاصلاح الاخلاقي ، فيجدون عذاباً شديداً بحيث علمهم يسحبهم إلى
عالم النور والملأ الأعلى ، وفسقهم يسحبهم إلى الظلمات وأسفل السافلين ،
هؤلاء يبقون مدة في
[١].
سهروردي ، مجموعة
مصنفات شيخ إشراق
، التلويحات ، ص ٨٨ ، ٨٩.