أعلن الإمام الحسين عليهالسلام رفضه القاطع لبيعة
يزيد وكذا زعماء يثرب ؛ فقرّر معاوية أن يسافر إلى يثرب ليتولّى بنفسه إقناع
المعارضين ، فاجتمع بالإمام وعبد الله بن عباس ، فأشاد بالنبيّ صلىاللهعليهوآله وأثنى عليه ، وعرض
بيعة ابنه ومنحه الألقاب الفخمة ، ودعاهما إلى بيعته، فانبرى الإمام عليهالسلام فحمد الله وأثنى
عليه ، ثمّ قال :
«أمّا بعد يا معاوية ، فلن يؤدّي المادح وإن
أطنب في صفة الرّسول صلىاللهعليهوآله ، وقد فهمتُ ما لبست
به الخلف بعد رسول الله صلىاللهعليهوآله من إيجاز الصّفة ، والتنكّب
عن استبلاغ النّعت ، وهيهات هيهات يا معاوية! فضح الصبحُ فحمةَ الدُّجى ، وبهرت
الشمسُ أنوار السّرج ، ولقد فضّلت حتّى أفرطت ، واستأثرت حتّى أجحفت ، ومنعت حتّى
بخلت ، وجُرت حتّى تجاوزت ، ما بذلت لذي حقّ من اسم حقّه من نصيب حتّى أخذ
الشّيطان حظّه الأوفر ونصيبه الأكمل.
وفهمتُ
ما ذكرته عن يزيد من اكتماله ، وسياسته لاُمّة محمّد صلىاللهعليهوآله ، تريد أن توهم النّاس في يزيد ، كأنّك تصفُ
محجوباً ، أو تنعت غائباً ، أو تخبر عمّا كان ممّا احتويته بعلم خاصّ ، وقد دلّ
يزيد من نفسه على موقع رأيه ، فخذ ليزيد فيما أخذ به من استفرائه الكلاب المهارشة
عند التحارش ، والحمام السّبق لأترابهنّ ، والقيان ذوات المعازف ، وضروب الملاهي ،
تجده ناصراً.
ودع
عنك ما تحاول ، فما أغناك أن تلقى الله بوزر هذا الخلق بأكثر ممّا أنت لاقيه!
فوالله ما برحتَ تقدح باطلاً في جور ، وحنقاً في ظلم حتّى ملأتَ الأسقية ، وما
بينك وبين الموت إلاّ غمضة ، فتقدم على عمل محفوظ في يوم مشهود ، ولات حين مناص، ورأيتك