وغير ذلك ، فاشكروا الله حيث جعلناهم عبرة لكم ، ولم نجعلكم عبرة لهم.
والنكير بمعنى
العقوبة ، أي : فكيف كان عقوبتي لهم وتغييري ما أنعمت به عليهم لتغييرهم دين الحقّ؟!
وقد قال الله : (إِنَّ اللهَ لا
يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ)[١].
وقيل : إنّ
المعنى : كيف رأيتم إنكاري عليهم بإهلاكهم واستئصالهم ، فالنكير يحتمل كونه بمعنى
المنكر ـ بالفتح ـ وكونه بمعنى الإنكار ؛ نظير النذير ، والياء محذوفة له لدلالة
الكسرة كما فيه [٢].
وقد حكي : أنّ
ملكا من الملوك أمر غلمانه بأن يلقوا قاضيا من أعلى القصر لفضيحة صدرت عنه ، فقال
له : لم تفعل هذا بمثلي؟ قال : ليعتبر بك الناس ، فلا يفعلوا مثل ما فعلت. فقال
القاضي : فافعل هذا بغيري حتّى أعتبر أنا به ، فضحك الملك فعفا عنه وأطلقه.
(أَوَلَمْ يَرَوْا
إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ ما يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا
الرَّحْمنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ) أشار إلى بعض آثار قدرته ليستدلّوا به على كمال صنعه ،
وعجيب فعله ، أي : أو لم ينظروا إلى هذا الصنف من الخلق كيف جعل فيه قوّة الطيران
على الهواء ، ووقوفه فيه ، وإمساكه له فيه بحيث لا يسقط من الهواء على الأرض مع
كثافة جسمه وجثّته ، فربّما يصفّ بجناحيه ، وربّما يدفّ ، فلو لا قدرة الله
وإمساكه لسقط على وجهه ، فجعل بقدرته الهواء له كالماء للسمك يسبح فيه.