وتحبسه عن الخروج عن ظلمات الطبيعة إلى ساحة صفاء الله ، فكما أنّ السلسلة
والغلّ يمنعان المقيّد المحبوس عن أكثر التصرّفات ، كذلك تلك الشؤونات المبعّدة
تمنع العبد عن كمال نفسه ، فلا يفوز بمقام القرب الصمدانيّ.
وإلى ذلك أشار
الله بقوله : (لَقَدْ حَقَّ
الْقَوْلُ عَلى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ * إِنَّا جَعَلْنا فِي
أَعْناقِهِمْ أَغْلالاً فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ * وَجَعَلْنا
مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ
لا يُبْصِرُونَ * وَسَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا
يُؤْمِنُونَ)[١].
أي لقد ثبت
الحكم بعدم إيمانهم وكفرهم من الأزل ، فهم لا يؤمنون في هذا العالم ، لأنّ قضيّة
استعدادهم الأزليّ هو الكفر لا الإيمان ، فنحن بقضيّة عدلنا الّتي هي إعطاء كلّ ذي
حقّ حقّه جعلنا لهؤلاء حجبا تمنعهم عن الإيمان ، وسدّا يصدّهم عن الفوز بحقائق
القرآن ، فصاروا عميا عن مشاهدة الأنوار ، وصمّا عن استماع الأسرار ، فلا ينفعهم
الإنذار ، لأنّهم لا يؤمنون في ذلك العالم بعد قبولهم للكفر في العالم الأوّل.
فليتأمّل.
وب «السعير» هو
نار الحجاب الّتي توقّدت في أفئدتهم وصدورهم بحيث ضاقت وأظلمت بكدورات الهوى ،
فمرضت قلوبهم بداء الكفر والضلال ؛ كما قال : (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ
فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ) فهم محجوبون عن الحقّ ، وممنوعون عن الفوز بالصدق بما
حجبهم الشيطان وأنساهم ذكر الله ، وحملهم على الأخلاق الدنيّة الّتي هي المبعّدات
عن السعادة الأبديّة ؛ كما