وقيل : أي
كلّفناهم فشددناهم بالأمر والنهي كي لا يجاوزوا حدود الله ، كما يشدّ الأسير.
أقول : ويحتمل
أن يكون المراد بشدّ أسرهم إعطاء الاستعداد والإمكان لمعالي حقائق العلم والعرفان
، أي خلقناهم وجعلناهم مستعدّين لتحمّل المعارف العالية ، وإدراك اللذّات
المتعالية ، وفهم المطالب الغامضة الّتي لا يمكن دركها لغير ذلك النوع من الخلق ،
فطوبى لمن سلك بهداية استعداده ، وتبّا لمن ضاع استعداده بالتسلّك في غير مسلك رشاده.
وتفصيل القول في ذلك المقام ، موجب لطول الكلام.
الثالثة
: في الآية
إشارة إلى كمال صنع الله ، وتمام حكمته في خلق الإنسان ، وظهور قدرته في ذلك الخلق
، حيث خلقهم على هيئة أنيقة تشهد على كمال قدرة الخالق ، وصوّرهم على صورة عجيبة
تدلّ على تمام حكمة الله ، وشدّ أسرهم بما شاءه من الكيفيّات الّتي يستدلّ بها على
عظمة الله.
فلو تعمّق
العبد في نفسه وما خلقه فيها ولها ، لما يجترئ على معصية الله ، فإنّه يشاهد حينئذ
آيات قدرة الله وحكمته في خلق الله ، فيخاف مقام قهّاريّته وجبّاريّته ، ولا ينظر
إلّا إلى وجه الله.
ففي الآية
إشعار لطيف بأنّ هؤلاء لو تسلّكوا مسلك التفكّر في آيات الله ؛ سيّما في الآيات
الّتي خلقها في أنفسهم لفازوا بما فاز به المؤمنون المتفكّرون من التوحيد والطاعة
والعرفان ، والعزلة عن شوائب النقصان في جميع الأحيان.
الرابعة
: لا بأس بتفسير
شدّ الأسر بأخذ الميثاق عليهم ، أي خلقناهم