مستغن عن الأدنى ، بل غير ملتفت إليه أصلا ، لأنّه حينئذ ـ أي حين التفاته
إلى ذلك المقام الأدنى ـ يفوت التفاتة إلى الأعلى ، فيحرم عن إدراك اللّذة في ذلك
الحين ، لاستحالة الالتفات إلى الشيئين المتضادّين ، وإدراك اللذّتين في حين واحد
؛ كما قال : (ما جَعَلَ اللهُ
لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ)[١].
وهذا هو السرّ
فيما ورد من أنّه لا يجتمع في قلب حبّ الدنيا والآخرة ، أو حبّ الله وحبّ غيره.
وفي «مصباح
الشريعة» : المغرور في الدنيا مسكين ، وفي الآخرة مغبون ، لأنّه باع الأفضل
بالأدنى ... [٢] إلى آخره.
ثمّ لا يخفى
أنّ التخلّص من ذلك الحبّ ـ أي حبّ اللذّة العاجلة ـ إنّما يكون بالطاعات
والعبادات المقمعة لشهوات النفس ، بشرط كمالها وتماميّتها بسبق المعرفة ؛ إذا
العبادات الغير المسبوقة بها لا يترتّب عليها الآثار المقرّرة لها ؛ إذ تأثير
الشيء إنّما هو بعد كماله بما هو في حدّه ، وكمال العبادات إنّما هو بالمعرفة
الحقيقيّة الّتي أشار إليها عليّ بن الحسين عليه السلام حيث قال : يا جابر ، أو
تدري ما المعرفة؟ المعرفة إثبات التوحيد أوّلا ، ثمّ معرفة المعاني ثانيا ، ثمّ
معرفة الأبواب ثالثا ، ثمّ معرفة الإمام رابعا ، ثمّ معرفة الأركان خامسا ، ثمّ
معرفة النقباء سادسا ، ثمّ معرفة النجباء سابعا ... [٣] إلى آخره.