الّذي لم يعرف ما أوجب الله عليه ، فلا عذاب ولا حساب عليه ؛ إذ ذلك فرع
التكليف.
والإبهام في
الآية ، إخبار عن قدرة الحقّ وفعله ما يشاء ولا يسأل عمّا يفعل وهم يسألون ، لأنّ
السلطان الحقيقيّ وكلّ ما في عالم الإمكان بالنسبة إليه عبد مملوك لا يقدر على شيء
، فليس لشيء أن ينكر عليه في فعله وصنعه ، فإنّه يفعل ما يشاء ، ويترك ما يشاء ،
ويتصرّف في ملكه بما يشاء ، وهو الفعّال لما يريد.
قال الله تعالى
: (إِنَّ الْأَبْرارَ
يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً * عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ
اللهِ يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً).
أقول
: لمّا بيّن ما
يترتّب على الكفر من التنزّلات والاحتجابات عن مقام الأنس بعالم القدس ، والغواشي
الّتي تغطّي عين النفس عن النظر إلى سبحات الجمال الأزلانيّ ، وشعاشع أنوار الوجه
القدمانيّ ، عقّبه ببيان ما يترتّب على «البرّ» وهو الشكر المفسّر بصرف كلّ ما خلق
الله فيه في موضعه من اللذّات الروحانيّة الحاصلة بمشاهدة أنوار حضرة الأحديّة ،
ومخاطرة أسرار طمطام الواحديّة ، ومجارعة كؤوس الخمور الصمدانيّة ، من أيدي
السواقي الأزليّة ؛ الّتي يسقون من فاز بالحبّ الخالص في لجّة التوحيد ، وطمطام
التفريد ، من عين الحكمة والعرفان ، وينبوع الخلوص والإيقان ؛ كما قال : من أخلص
لله أربعين صباحا أجرى الله في قلبه ينابيع الحكمة ، وبصّره داءه ودواءه. انتهى.
وهذه العين هي
العين الّتي أشار إليها بقوله : (فِيها عَيْنٌ جارِيَةٌ) ...