مِثْلَكَ،رُدَّ عَمَّا جِئْتَ لَهُ،إِنَّ قَوْمَكَ يُذَكِّرُونَكَ اللَّهَ وَ الرَّحِمَ أَنْ تَدْخُلَ عَلَيْهِمْ بِلاَدَهُمْ بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ،وَ أَنْ تَقْطَعَ أَرْحَامَهُمْ، وَ أَنْ تُجَرِّئَ عَلَيْهِمْ عَدُوَّهُمْ.فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ):مَا أَنَا بِفَاعِلٍ حَتَّى أَدْخُلَهَا.
قَالَ:وَ كَانَ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ حِينَ كَلَّمَ رَسُولَ اللَّهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)تَنَاوَلَ لِحْيَتَهُ،وَ الْمُغِيرَةُ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِهِ،فَضَرَبَ بِيَدِهِ.فَقَالَ:مَنْ هَذَا يَا مُحَمَّدُ؟فَقَالَ:هَذَا ابْنُ أَخِيكِ الْمُغِيرَةُ.فَقَالَ:يَا غُدَرُ [1]وَ اللَّهِ مَا جِئْتَ إِلاَّ فِي غَسْلِ سَلْحَتِكَ [2].
قَالَ:فَرَجَعَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ لِأَبِي سُفْيَانَ وَ أَصْحَابِهِ:لاَ وَ اللَّهِ مَا رَأَيْتُ مِثْلَ مُحَمَّدٍ رُدَّ عَمَّا جَاءَ لَهُ.فَأَرْسَلُوا إِلَيْهِ سُهَيْلَ ابْنَ عَمْرٍو وَ حُوَيْطِبَ بْنَ عَبْدِ الْعُزَّى،فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)فَأُثِيرَتْ فِي وُجُوهِهِمْ الْبُدْنُ،فَقَالاَ:مَجِيءَ مَنْ جِئْتَ؟قَالَ:جِئْتُ لِأَطُوفَ بِالْبَيْتِ،وَ أَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَ الْمَرْوَةِ،وَ أَنْحَرَ الْبُدْنَ،وَ أُخَلِّيَ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَ لَحْمَاتِهَا،فَقَالاَ:
إِنَّ قَوْمَكَ يُنَاشِدُونَكَ اللَّهَ وَ الرَّحِمَ،أَنْ تَدْخُلَ عَلَيْهِمْ بِلاَدَهُمْ بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ،وَ تَقْطَعَ أَرْحَامَهُمْ،وَ تُجَرِّئَ عَلَيْهِمْ عَدُوَّهُمْ.
قَالَ:فَأَبَى عَلَيْهِمَا رَسُولُ اللَّهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)إِلاَّ أَنْ يَدْخُلَهَا.
وَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)أَرَادَ أَنْ يَبْعَثَ عُمَرَ،فَقَالَ:يَا رَسُولَ اللَّهِ،إِنَّ عَشِيرَتِي قَلِيلَةٌ،وَ إِنِّي فِيهِمْ عَلَى مَا تَعْلَمُ،وَ لَكِنِّي أَدُلُّكَ عَلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ،فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)،فَقَالَ:اِنْطَلِقْ إِلَى قَوْمِكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ،فَبَشِّرْهُمْ بِمَا وَعَدَنِي رَبِّي مِنْ فَتْحِ مَكَّةَ.فَلَمَّا انْطَلَقَ عُثْمَانُ لَقِيَ أَبَانَ بْنَ سَعِيدٍ،فَتَأَخَّرَ عَنِ السَّرْحِ،فَحَمَلَ عُثْمَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ،وَ دَخَلَ عُثْمَانُ فَأَعْلَمَهُمْ،وَ كَانَتِ الْمُنَاوَشَةُ،فَجَلَسَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)، وَ جَلَسَ عُثْمَانُ فِي عَسْكَرِ الْمُشْرِكِينَ،وَ بَايَعَ رَسُولُ اللَّهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)الْمُسْلِمِينَ،وَ ضَرَبَ بِإِحْدَى يَدَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى لِعُثْمَانَ،وَ قَالَ الْمُسْلِمُونَ:طُوبَى لِعُثْمَانَ قَدْ طَافَ بِالْبَيْتِ وَ سَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَ الْمَرْوَةِ وَ أَحَلَّ.فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ):مَا كَانَ لِيَفْعَلَ.فَلَمَّا جَاءَ عُثْمَانُ،قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ):أَ طُفْتَ بِالْبَيْتِ؟قَالَ:مَا كُنْتُ لِأَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَ رَسُولُ اللَّهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)لَمْ يَطُفْ بِهِ.ثُمَّ ذَكَرَ الْقِصَّةَ وَ مَا كَانَ فِيهَا.فَقَالَ لِعَلِيٍّ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ):اُكْتُبْ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.فَقَالَ سُهَيْلٌ:مَا أَدْرِي مَا الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ،إِلاَّ أَنِّي أَظُنُّ هَذَا الَّذِي بِالْيَمَامَةِ،وَ لَكِنْ اكْتُبْ كَمَا نَكْتُبُ:بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ.قَالَ:وَ اكْتُبْ:هَذَا مَا قَاضَى رَسُولُ اللَّهِ سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو.فَقَالَ سُهَيْلٌ:فَعَلَى مَا نُقَاتِلُكَ يَا مُحَمَّدُ؟ فَقَالَ أَنَا رَسُولُ اللَّهِ،وَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ.فَقَالَ النَّاسُ:أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ قَالَ:اُكْتُبْ.فَكَتَبَ:هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ،فَقَالَ النَّاسُ:أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ،وَ كَانَ فِي الْقَضِيَّةِ أَنَّ[مَنْ]كَانَ مِنَّا أَتَى إِلَيْكُمْ رَدَدْتُمُوهُ إِلَيْنَا،وَ رَسُولُ اللَّهِ غَيْرُ مُسْتَكْبِرٍ عَنْ دِينِهِ،وَ مَنْ جَاءَ إِلَيْنَا مِنْكُمْ لَمْ نَرُدَّهُ إِلَيْكُمْ.فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ):لاَ حَاجَةَ لَنَا فِيهِمْ،وَ عَلَى أَنْ يُعْبَدَ اللَّهُ فِيكُمْ عَلاَنِيَةً غَيْرَ سِرٍّ،وَ إِنْ كَانُوا لَيَتَهَادَوْنَ السُّيُورَ فِي الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ،وَ مَا كَانَتْ قَضِيَّةٌ أَعْظَمَ بَرَكَةً مِنْهَا،لَقَدْ كَادَ أَنْ يَسْتَوْلِيَ عَلَى[أَهْلِ]مَكَّةَ الْإِسْلاَمُ،فَضَرَبَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو عَلَى أَبِي جَنْدَلٍ ابْنِهِ.فَقَالَ:أَوَّلُ مَا قَاضَيْنَا[عَلَيْهِ].
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ):وَ هَلْ قَاضَيْتُ عَلَى شَيْءٍ؟فَقَالَ:يَا مُحَمَّدُ،مَا كُنْتَ بِغَدَّارٍ.قَالَ:فَذَهَبَ بِأَبِي جَنْدَلٍ، فَقَالَ:يَا رَسُولَ اللَّهِ،تَدْفَعُنِي إِلَيْهِ؟قَالَ:وَ لَمْ أَشْتَرِطْ لَكَ.قَالَ:وَ قَالَ:اَللَّهُمَّ اجْعَلْ لِأَبِي جَنْدَلٍ مَخْرَجاً».
[1] أي يا غادر.
[2] السّلح:النّجو.«أقرب الموارد-سلح-1:531».