وَ بَاتَ رَسُولُ اللَّهِ فِي الْغَارِ آمِناً هُنَاكَ وَ فِي حِفْظِ الْإِلَهِ وَ فِي سِتْرٍ أَقَامَ ثَلاَثاً ثُمَّ زُمَّتْ قَلاَئِصُ قَلاَئِصُ يَفْرِينَ الْحَصَا أَيْنَمَا تَفْرِي [1] وَ لَمَّا وَرَدَ رَسُولُ اللَّهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)الْمَدِينَةَ نَزَلَ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ بِقُبَا [2]،فَأَرَادَهُ أَبُو بَكْرٍ عَلَى دُخُولِهِ الْمَدِينَةَ وَ أَلاَصَهُ [3] فِي ذَلِكَ،فَقَالَ:«مَا أَنَا بِدَاخِلِهَا حَتَّى يَقْدَمَ ابْنُ عَمِّي،وَ ابْنَتِي»يَعْنِي عَلِيّاً وَ فَاطِمَةَ(عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ).
قَالَ:قَالَ أَبُو الْيَقْظَانِ:فَحَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)وَ نَحْنُ مَعَهُ بِقُبَا،عَمَّا أَرَادَتْ قُرَيْشٌ مِنَ الْمَكْرِ بِهِ، وَ مَبِيتِ عَلِيٍّ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ)عَلَى فِرَاشِهِ،قَالَ:«أَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ إِلَى جَبْرَئِيلَ وَ مِيكَائِيلَ(عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ):أَنِّي قَدْ آخَيْتُ بَيْنَكُمَا وَ جَعَلْتُ عُمُرَ أَحَدِكُمَا أَطْوَلَ مِنْ عُمُرِ صَاحِبِهِ،فَأَيُّكُمَا يُؤْثِرُ أَخَاهُ؟وَ كِلاَهُمَا كَرِهَ [4] الْمَوْتَ،فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِمَا:عَبْدَايَ [5] أَ لاَ كُنْتُمَا مِثْلَ وَلِيِّي عَلِيٍّ،آخَيْتُ بَيْنَهُ وَ بَيْنَ مُحَمَّدٍ نَبِيِّي،فَآثَرَهُ بِالْحَيَاةِ عَلَى نَفْسِهِ،ثُمَّ ظَلَّ-أَوْ قَالَ:
رَقَدَ-عَلَى فِرَاشِهِ يَقِيهِ [6] بِمُهْجَتِهِ،اهْبِطَا إِلَى الْأَرْضِ جَمِيعاً [7] فَاحْفَظَاهُ مِنْ عَدُوِّهِ،فَهَبَطَ جَبْرَئِيلُ فَجَلَسَ عِنْدَ رَأْسِهِ،وَ مِيكَائِيلُ عِنْدَ رِجْلَيْهِ،وَ جَعَلَ جَبْرَئِيلُ يَقُولُ:بَخْ بَخْ،مَنْ مِثْلُكَ-يَا ابْنَ أَبِي طَالِبٍ-وَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ يُبَاهِي بِكَ الْمَلاَئِكَةَ»قَالَ:فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ فِي عَلِيٍّ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ)،وَ مَا كَانَ مِنْ مَبِيتِهِ عَلَى فِرَاشِ رَسُولِ اللَّهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ): وَ مِنَ النّٰاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغٰاءَ مَرْضٰاتِ اللّٰهِ وَ اللّٰهُ رَؤُفٌ بِالْعِبٰادِ [8].
قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ:قَالَ أَبِي وَ ابْنُ أَبِي رَافِعٍ:ثُمَّ كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ)كِتَاباً يَأْمُرُهُ بِالْمَسِيرِ إِلَيْهِ وَ قِلَّةِ التَّلَوُّمِ [9]،وَ كَانَ الرَّسُولُ إِلَيْهِ أَبَا وَاقِدٍ اللَّيْثِيَّ،فَلَمَّا أَتَاهُ كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)تَهَيَّأَ لِلْخُرُوجِ وَ الْهِجْرَةِ،فَآذَنَ [10] مَنْ كَانَ مَعَهُ مِنْ ضُعَفَاءِ الْمُؤْمِنِينَ،وَ أَمَرَهُمْ أَنْ يَتَسَلَّلُوا وَ يَتَخَفَّفُوا [11] إِذَا مَلَأَ اللَّيْلُ بَطْنَ كُلِّ وَادٍ إِلَى ذِي طُوًى [12].
وَ خَرَجَ عَلِيٌّ بِفَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)،وَ أُمِّهِ فَاطِمَةَ بِنْتِ أَسَدِ بْنِ هَاشِمٍ،وَ فَاطِمَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ بْنِ
[1] القلوص من النوق:الشابّة،و هي بمنزلة الجارية من النساء،و فريت الأرض:سرتها و قطعتها.«الصحاح-قلص-3:1054 و-فرا- 6:2454».
[2] قبا:قرية قرب المدينة«معجم البلدان 4:301».
[3] ألاصه على كذا:أي أداره على الشيء الذي يرومه.«الصحاح-لوص-3:1056».
[4] في المصدر:فكلاهما كرا.
[5] في المصدر:عبديّ.
[6] في المصدر:يفديه.
[7] في المصدر:كلا كما.
[8] البقرة 2:207.
[9] التلوّم:الانتظار و التمكّث.«الصحاح-لوم-5:2034».
[10] أي أعلم.
[11] في المصدر:و يتحفظوا.
[12] ذو طوى:مثلثة الطاء:موضع قرب مكّة.«معجم البلدان 4:44».