responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : البرهان في تفسير القرآن المؤلف : البحراني، السيد هاشم    الجزء : 2  صفحة : 464

فَكَلَّمَهُمْ بِمَا يَعْقِلُونَ،لِيَكُونَ عَلَيْهِمْ حُجَّةً فِي تَضْيِيعِ مَا ضَيَّعُوهُ [1]،فَقَدْ يُقَالُ لِلرَّجُلِ:كَلْبٌ،وَ حِمَارٌ،وَ ثَوْرٌ،وَ سُكَّرَةٌ، وَ عَلْقَمَةٌ،وَ أَسَدٌ،كُلُّ ذَلِكَ عَلَى خِلاَفِهِ وَ حَالاَتِهِ،لَمْ تَقَعِ الْأَسَامِي عَلَى مَعَانِيهَا الَّتِي كَانَتْ بُنِيَتْ عَلَيْهِ،لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَيْسَ بِأَسَدٍ وَ لاَ كَلْبٍ،فَافْهَمْ ذَلِكَ رَحِمَكَ اللَّهُ.

وَ إِنَّمَا سُمِّيَ اللَّهُ بِالْعِلْمِ [2] بِغَيْرِ عِلْمٍ حَادِثٍ عَلِمَ بِهِ الْأَشْيَاءَ،وَ اسْتَعَانَ بِهِ عَلَى حِفْظِ مَا يُسْتَقْبَلُ مِنْ أَمْرِهِ، وَ الرَّوِيَّةِ فِيمَا يَخْلُقُ مِنْ خَلْقِهِ وَ يُفْسِدُ [3] مَا مَضَى مِمَّا أَفْنَى مِنْ خَلْقِهِ،مِمَّا لَوْ لَمْ يَحْضُرْهُ ذَلِكَ الْعِلْمُ وَ يُعِنْهُ [4] كَانَ جَاهِلاً ضَعِيفاً،كَمَا أَنَّا لَوْ رَأَيْنَا عُلَمَاءَ الْخَلْقِ إِنَّمَا سُمُّوا بِالْعِلْمِ لِعِلْمٍ حَادِثٍ إِذْ كَانُوا فِيهِ جَهَلَةً،وَ رُبَّمَا فَارَقَهُمُ الْعِلْمُ بِالْأَشْيَاءِ فَعَادُوا إِلَى الْجَهْلِ،وَ إِنَّمَا سُمِّيَ اللَّهُ عَالِماً لِأَنَّهُ لاَ يَجْهَلُ شَيْئاً،فَقَدْ جَمَعَ الْخَالِقَ وَ الْمَخْلُوقَ اسْمُ الْعَالِمِ وَ اخْتَلَفَ الْمَعْنَى عَلَى مَا رَأَيْتَ.

وَ سُمِّيَ رَبُّنَا سَمِيعاً لاَ بِخُرْتٍ [5] فِيهِ يَسْمَعُ بِهِ الصَّوْتَ وَ لاَ يُبْصِرُ بِهِ،كَمَا أَنَّ خُرْتَنَا الَّذِي بِهِ نَسْمَعُ لاَ نَقْوَى بِهِ عَلَى الْبَصَرِ،وَ لَكِنَّهُ أَخْبَرَ أَنَّهُ لاَ يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنَ الْأَصْوَاتِ،لَيْسَ عَلَى حَدِّ مَا سُمِّينَا نَحْنُ،فَقَدْ جَمَعَنَا الاِسْمُ بِالسَّمْعِ وَ اخْتَلَفَ الْمَعْنَى.وَ هَكَذَا الْبَصَرُ لاَ بِخُرْتٍ مِنْهُ أَبْصَرَ كَمَا أَنَّا نُبْصِرُ بِخُرْتٍ مِنَّا لاَ نَنْتَفِعُ بِهِ فِي غَيْرِهِ،وَ لَكِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ لاَ يَحْتَمِلُ شَخْصاً مَنْظُوراً إِلَيْهِ،فَقَدْ جَمَعَنَا الاِسْمُ وَ اخْتَلَفَ الْمَعْنَى.

وَ هُوَ قَائِمٌ لَيْسَ عَلَى مَعْنَى انْتِصَابٍ وَ قِيَامٍ عَلَى سَاقٍ فِي كَبِدٍ كَمَا قَامَتِ الْأَشْيَاءُ،وَ لَكِنْ قَائِمٌ يُخْبِرُ أَنَّهُ حَافِظٌ، كَقَوْلِ الرَّجُلِ:اَلْقَائِمُ بِأَمْرِنَا فُلاَنٌ،وَ اللَّهُ هُوَ الْقَائِمُ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ،وَ الْقَائِمُ أَيْضاً فِي كَلاَمِ النَّاسِ الْبَاقِي، وَ الْقَائِمُ أَيْضاً يُخْبِرُ عَنِ الْكِفَايَةِ،كَقَوْلِكَ لِلرَّجُلِ:قُمْ بِأَمْرِ بَنِي فُلاَنٍ،أَيْ اكْفِهِمْ.وَ الْقَائِمُ مِنَّا قَائِمٌ عَلَى سَاقٍ،فَقَدْ جَمَعْنَا الاِسْمَ وَ لَمْ نَجْمَعِ الْمَعْنَى.

وَ أَمَّا اللَّطِيفُ فَلَيْسَ عَلَى قِلَّةٍ وَ قَضَافَةٍ [6]،وَ صِغَرٍ،وَ لَكِنْ ذَلِكَ عَلَى النَّفَاذِ فِي الْأَشْيَاءِ،وَ الاِمْتِنَاعِ مِنْ أَنْ يُدْرَكَ، كَقَوْلِكَ لِلرَّجُلِ:لَطُفَ عَنِّي هَذَا الْأَمْرُ،وَ لَطُفَ فُلاَنٌ فِي مَذْهَبِهِ.وَ قَوْلِهِ يُخْبِرُكَ أَنَّهُ غَمَضَ فِيهِ الْعَقْلُ،وَ فَاتَ الطَّلَبُ، وَ عَادَ مُتَعَمِّقاً مُتَلَطِّفاً لاَ يُدْرِكُهُ الْوَهْمُ،وَ كَذَلِكَ لَطُفَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى عَنْ أَنْ يُدْرَكَ بِحَدٍّ،أَوْ يُحَدَّ بِوَصْفٍ،وَ اللَّطَافَةُ مِنَّا الصِّغَرُ وَ الْقِلَّةُ،فَقَدْ جَمَعَنَا الاِسْمُ وَ اخْتَلَفَ الْمَعْنَى.

وَ أَمَّا الْخَبِيرُ فَهُوَ الَّذِي لاَ يَعْزُبُ عَنْهُ شَيْءٌ،وَ لاَ يَفُوتُهُ شَيْءٌ،لَيْسَ لِلتَّجْرِبَةِ وَ لاَ لِلاِعْتِبَارِ بِالْأَشْيَاءِ فَتُفِيدُهُ التَّجْرِبَةُ وَ الاِعْتِبَارُ عِلْماً لَوْلاَهُمَا مَا عَلِمَ،لِأَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ كَذَلِكَ كَانَ جَاهِلاً،وَ اللَّهُ لَمْ يَزَلْ خَبِيراً بِمَا يَخْلُقُ،وَ الْخَبِيرُ مِنَ النَّاسِ الْمُسْتَخْبِرُ عَنْ جَهْلِ،الْمُتَعَلِّمِ،فَقَدْ جَمَعَنَا الاِسْمُ وَ اخْتَلَفَ الْمَعْنَى.


[1] في المصدر:ما ضيّعوا.

[2] في التوحيد:2/188:بالعالم.

[3] في التوحيد:و بعينه.

[4] في«ط»و المصدر:و يغيبه.

[5] الخرت:الثّقب.«الصحاح-خرت-1:248».

[6] القضافة:قلّة اللحم،و النّحافة.«لسان العرب-قضف-9:284».

اسم الکتاب : البرهان في تفسير القرآن المؤلف : البحراني، السيد هاشم    الجزء : 2  صفحة : 464
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست