فأخذ جمع من علماء
المسلمين بظاهر هذه الآيات مبتورة عن الآيات الأخرى التي تكمل بمجموعها دلالة هذه
الطائفة من الآيات ، وحكموا بحتمية الهداية والضلالة في حياة الإنسان من جانب الله
تعالى ، ونفوا دور الإنسان في اختيار الهداية والضلالة ، انطلاقا من هذه الطائفة
من الآيات.
وقد خالف أهل
البيت عليهمالسلام هذا الاتجاه من التفسير والرأي ، وقالوا : إن الله تعالى
هو مصدر الهداية في حياة الإنسان ، وأما الضلالة فمن الإنسان نفسه ، وعلى كل حال
فإن الهداية والضلالة تجري في حياة الإنسان باختياره وقراره ، ونفوا بشكل قاطع
حتمية الهداية والضلالة في حياة الإنسان بإرادة الله تعالى.
عن جابر بن يزيد
الجعفي ، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليهالسلام ، قال : سألته عن معنى (لا حول ولا قوة إلا بالله).
فقال : «معناه :
لا حول لنا عن معصية الله إلا بعون الله ، ولا قوة لنا على طاعة الله إلا بتوفيق
الله عز وجل». [٢]
عن محمد بن أبي
عمير ، عن أبي عبد الله الفراء ، عن محمد بن مسلم ومحمد بن مروان ، عن أبي عبدالله
عليهالسلام ، قال : «ما علم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أن جبرئيل من قبل الله عز وجل إلا بالتوفيق». [٣]
عن حمدان بن
سليمان النيسابوري ، قال : سألت علي بن موسى الرضا عليهالسلام بنيسابور عن قول الله عز وجل : (فَمَنْ
يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ). [٤] قال : «من يرد
الله أن يهديه بإيمانه في الدنيا إلى جنته ودار كرامته في الآخرة يشرح صدره
للتسليم لله ، والثقة به ، والسكون إلى ما وعده من ثوابه حتى يطمئن إليه ومن يرد
أن يضله عن جنته ودار كرامته في الآخرة لكفره به وعصيانه له في الدنيا ، يجعل صدره
ضيقا حرجا حتى يشك في كفره ، ويضطرب من اعتقاده قلبه ، حتى يصير كأنما يصعد في
السماء ، كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون». [٥]
خامسا ـ رأي أهل البيت عليهمالسلام في الجبر والتفويض : ذهب أهل البيت عليهمالسلام مذهبا وسطا بين الجبر والتفويض لا يتصل بالجبر ولا
بالتفويض ، وسموا ذلك : الأمر بين الأمرين.
روى مفضل بن عمر ،
عن أبي عبدالله الصادق عليهالسلام ، قال : «لا جبر ولا تفويض ، ولكن أمر بين أمرين».
قال : قلت : وما
أمر بين أمرين؟
قال : «مثل ذلك
مثل رجل رأيته على معصية فنهيته فلم ينته ، فتركته ففعل تلك المعصية ، فليس حيث لم