اسم الکتاب : الوافي المؤلف : الفيض الكاشاني الجزء : 17 صفحة : 219
- و لا
ريب في صحّة إطلاق التغنّي على صوت الحمام مع عدم حرمته و الالتذاذ بصوته و صوت
ساير الطيور، و لا ريب أيضا في صدق الغناء على النوح و المراثي و تأثير الصوت ليس
خاصا بالشهوة قطعا.
قال إبراهيم الموصلي: إذا تغنّيت
بالمديح ففخّم أو بالنسيب فأخضع أو بالمراثي فاحزن أو بالهجاء فشدّد.
قيل أطيب الغناء ما أشجاك و
أبكاك و أطربك و ألهاك و ليس مخصوصا بالبكاء في العشق و اللهو، بل في المراثي
أيضا، و قد حكي عن العارفين بهذا الشأن أحوال غريبة و أعمال عجيبة منها إنّ يعقوب
بن إسحاق الكندي لعب بالعود عند مريض مشرف على الموت فتهيج فيه الحرارة الغريزيّة
و قعد و أوصى بما أراد ثمّ لمّا زال أثر الغناء سقط و مات، و روى انّ بعضهم كان
عنده لحن منوّم و بعضهم كان يغنّي بلحن يثير الحماسة و يحمي الغيرة في الحرب و
بعضهم يوجد الخوف في العدو فيهرب و بالجملة لتركيب أنواع النغم على أنحاء مختلفة
تأثير في النفوس و لا يمكن أن يقال انّ كلّ صوت له تأثير حرام، و لا انّ كلّ صوت
حسن بتركيب نغماته يميل إليه الطبع حرام لما قد سبق في كتاب الصلاة من قراءة
سيّدنا السجّاد عليه السّلام و اجتماع الناس لصوته.
و قال النبيّ صلّى اللّه عليه و
آله لبعض الناس اعطيت من مزامير آل داود لما سمع قراءته القرآن بصوت حسن، و قال من
لم يتغنّ بالقرآن ليس منّا، و قد سبق انّ الباقر عليه السّلام أوصى بمال للنائحة
تنوح عليه أيّام منى، و النوح لا يخلو من صوت بلحن شجي، و الحداء للإبل معروف و لم
يمنع منه أحد مع انّه مركّب من أصوات و نغمات على نحو يؤثّر في الجملة مع صدق
التغنّي و الغناء على جميع ذلك.
فلا بدّ إمّا أن يذهب مذهب الشيخ
في الاستبصار و يحمل المنع من الغناء على مصاحباته لا على نفس الصوت من حيث هو صوت
أو تخص الحرمة بنوع خاصّ من الألحان و هي ما ترغب في الحرام و تبعث عليه كتهييج
الشهوة و الرغبة في شرب المسكر و اللهو و الفساد أو يثير الغيرة و الحميّة لقتل
نفس محرّمة و إثارة فتنة نائمة فتكون حراما لأنّها سبب الحرام و هو المنصرف إليه
من اطلاق الأحاديث المانعة، و عبارة الفقهاء الأقدمين، و أمّا الألحان التي توجب
الرغبة إلى اللّه و العبادة و ترك النظر إلى الزخارف الفانية و الحزن على المظلومين
من آل محمّد صلوات اللّه عليهم أجمعين أو بيان مناقبهم بلحن يوجب تأثيرها في
القلوب فليس من المحرم في شيء فهي نظير الصوت الحسن في القرآن.
و حكى الراغب في كتاب المحاضرات
أنّ ماسرجويه بكى من قراءة أبي رضي اللّه عنه، فقيل له كيف تبكي لكتاب لا تصدّق به
فقال أبكاني الشّجا، و قال إسحاق الموصلي أمر الصوت عجيب منه ما يسر سرورا يرقص و
منه ما يبكي و منه ما يكمد و منه ما يزيل العقل حتّى يغشى على صاحبه و ليس يعتري
ذلك من قبل المعاني لأنّهم في كثير من الأحوال لا-
اسم الکتاب : الوافي المؤلف : الفيض الكاشاني الجزء : 17 صفحة : 219