كذا
[1] و كان في عزمي المرور بها. فأمّا إذا وافق ذلك مرادها فإنّي جاعل بعد رجوعي
طريقي عليها. فلمّا صار إلى بابها أدخل بعض من كان معه إليها و صرف بعضهم. فنظر
إلى ذلك الحسن البارع و الهيئة الباذّة [2]، فأعجبه و وقع من نفسه؛ فقال: يا
جميلة! لقد أوتيت خيرا كثيرا، ما أحسن ما صنعت!. فقالت: يا سيّدي، إنّ الجميل
للجميل يصلح، و لك هيّأت هذا المجلس. فجلس عبد اللّه بن جعفر و قامت على رأسه و
قامت الجواري صفّين؛/ فأقسم عليها فجلست غير بعيد. ثم قالت: يا سيّدي، أ لا
أغنّيك؟ قال: بلى! فغنّت:
فقال عبد
اللّه: أحسنت يا جميلة و أحسن حذافة ما قال! باللّه أعيديه عليّ فأعادته، فجاء
الصوت أحسن من الارتجال. ثم دعت لكل جارية بعود و أمرتهنّ بالجلوس على كراسيّ صغار
قد أعدّتها لهنّ، فضربن و غنّت عليهنّ هذا الصوت و غنّى جواريها على غنائها. فلمّا
ضربن جميعا قال عبد اللّه: ما ظننت أنّ مثل هذا يكون! و إنّه لممّا يفتن القلب! و
لذلك كرهه كثير من الناس لما علموا فيه. ثم دعا ببغلته فركبها و انصرف إلى منزله. و
قد كانت جميلة أعدّت طعاما كثيرا، و كان أراد المقام، فقال لأصحابه: تخلّفوا
للغداء، فتغدّوا و انصرفوا مسرورين. و هذا الشعر لحذافة [6] بن غانم [7] بن عبيد
اللّه بن عويج بن عديّ بن كعب يمدح به عبد المطّلب.
أراد العرجي
أن ينزل عليها حين فرّ من مكة فأبت و أنزلته على الأحوص
: قال و حدّثني
بعض المكّيين قال:
كان العرجيّ (و
هو عبد اللّه بن عمرو بن عثمان) شاعرا سخيّا شجاعا أديبا ظريفا. و يشبّه شعره بشعر
عمر بن أبي ربيعة و الحارث بن خالد بن هشام و إن كانا قدّما عليه؛ و قد نسب كثير
من شعره إلى شعرهما، و كان صاحب صيد. فخرج يوما متنزّها من مكّة و معه جماعة من
غلمانه و مواليه و معه كلابه و فهوده و صقوره و بوازيه نحو الطائف
[2] الهيئة
الباذة: الغالبة الفائقة، و في ح: «و الهيئة البارزة».
[3] شيبة
الحمد: لقب عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، لقب بذلك لكثرة حمد الناس له، لأنه
كان مفزع قريش في النوائب و ملجأهم في الأمور، فكان شريف قريش و سيدها كمالا و
فعالا غير مدافع. و قيل: لأنه ولد في رأسه شيبة، و في لفظ كان وسط رأسه أبيض، أو
سمى بذلك تفاؤلا بأن يبلغ سن الشيب. (راجع «ما يعوّل عليه في المضاف و المضاف
إليه»). و فيه: و بنو شيبة الحمد».
[5] ساقي
الحجيج هو عبد المطلب هذا، فهو الذي حفر زمزم.
[6] في
«السيرة لابن هشام» و «معجم البلدان» لياقوت: «حذيفة». و قد نسب هذا الشعر أيضا
لمطرود ابن كعب الخزاعي الشاعر. (راجع الطبري ص 1088، 1095 من القسم الأول طبع
أوروبا، و صفحة 5 من «كتاب الأوائل» لأبي هلال العسكري المخطوط و المحفوظ بدار
الكتب المصرية تحت رقم 2773 تاريخ).
[7] في
الأصول: «عامر» و هو تحريف. (راجع «الطبري» ص 1095 من القسم الأول طبع أوروبا و «معجم
البلدان» لياقوت ج 2 ص 144 طبع أوروبا و السيرة ج 1 ص 96، 111 طبع أوروبا، «و ما
يعوّل عليه في المضاف و المضاف إليه»).