ثم دعت بثياب
مصبّغة و وفرة شعر مثل وفرة ابن سريج فوضعتها على رأسها، و دعت للقوم بمثل ذلك
فلبسوا، ثم ضربت بالعود و تمشّت و تمشّى القوم خلفها، و غنّت و غنّوا بغنائها بصوت
واحد:
ثم نعرت و نعر
القوم طربا، ثم جلست و جلسوا و خلعوا ثيابهم و رجعوا إلى زيّهم، و أذنت لمن كان
ببابها فدخلوا؛ و انصرف المغنّون و بقي عندها من يطارحها من الجواري.
استزارت عبد
اللّه بن جعفر لمجلس غناء هيأته له فزارها
: و حدّثتني
عمّتي قالت: سمعت سياطا يحدّث أباك يوما جميلة فقال: بنفسي هي و أمّي! فما كان
أحسن وجهها و خلقها [4] و غناءها! ما خلّفت النساء مثلها شبيها؛ فأعجبني ذلك. ثم
قال سياط: جلست جميلة يوما للوفادة عليها، و جعلت على رءوس جواريها شعورا مسدلة
كالعناقيد إلى أعجازهنّ، و ألبستهنّ أنواع الثياب المصبّغة و وضعت فوق الشعور
التيجان، و زينتهنّ بأنواع الحليّ، و وجّهت إلى عبد اللّه بن جعفر تستزيره، و قالت
لكاتب أملت عليه: «بأبي أنت و أمّي! قدرك يجلّ عن رسالتي و كرمك [5] يحتمل زلّتي؛
و ذنبي لا تقال عثرته و لا تغفر حوبته. فإن/ صفحت فالصفح لكم معشر أهل البيت يؤثر،
و الخير و الفضل كله [6] فيكم مدّخر، و نحن العبيد و أنتم الموالي.
فطوبى لمن كان
لكم مقاربا والي وجوهكم ناظرا! و طوبى لمن كان لكم [7] مجاورا، و بعزّكم قاهرا، و
بضيائكم مبصرا! و الويل لمن جهل قدركم و لم يعرف ما أوجبه اللّه على هذا الخلق
لكم! فصغيركم كبير بل لا صغير فيكم، و كبيركم جليل بل الجلالة التي وهبها اللّه
عزّ و جلّ للخلق هي لكم و مقصورة عليكم. و بالكتاب نسألك و بحقّ الرسول ندعوك إن
كنت نشيطا لمجلس هيّأته لك لا يحسن إلّا بك و لا يتمّ إلا معك، و لا يصلح أن ينقل
عن موضعه، و لا يسلك به غير طريقه». فلما قرأ عبد اللّه الكتاب قال: إنّا لنعرف
تعظيمها لنا و إكرامها لصغيرنا و كبيرنا.
و قد علمت
أنّها قد آلت ألية ألّا تغنّي أحدا إلّا في منزلها. و قال للرسول: و اللّه قد كنت
على الركوب إلى موضع