responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الاغانی المؤلف : ابو الفرج الإصفهاني    الجزء : 8  صفحة : 364

الأبيات؛ فإن لها شأنا! فلم يردّ عليّ شيئا. فرجعت إلى رحلي فركبت و سرت و أنا ذاهبة العقل؛ و في كل ذلك لا يخبرني صواحباتي أنهنّ سمعن شيئا. فلما كانت الليلة القابلة نزلنا و أخذ الحيّ مضاجعهم و نامت كلّ عين، فإذا الهاتف يهتف بي و يقول: يا بثينة، أقبلي إليّ أنبئك عمّا تريدين. فأقبلت نحو الصوت، فإذا شيخ كأنه من رجال الحيّ، فسألته عن اسمه و بيته. فقال: دعي هذا و خذي فيما هو أهمّ عليك [1]. فقلت له: و إن هذا لممّا يهمّني.

قال: اقنعي بما قلت لك. قلت له: أنت المنشد الأبيات؟ قال نعم. قلت: فما خبر جميل؟ قال: نعم فارقته و قد قضى نحبه و صار إلى حفرته رحمة اللّه عليه. فصرخت صرخة آذنت [2] منها الحيّ، و سقطت لوجهي فأغمي عليّ، فكأنّ صوتي لم يسمعه أحد، و بقيت سائر ليلتي، ثم أفقت عند طلوع الفجر و أهلي يطلبونني فلا يقفون على موضعي، و رفعت صوتي بالعويل و البكاء و رجعت إلى مكاني. فقال لي أهلي: ما خبرك و ما شأنك؟ فقصصت عليهم القصّة. فقالوا: يرحم اللّه جميلا. و اجتمع نساء الحيّ و أنشدتهنّ الأبيات فأسعدنني بالبكاء، فأقمن [3] كذلك لا يفارقنني ثلاثا، و تحزّن الرجال أيضا و بكوا و رثوه و قالوا كلّهم: يرحمه اللّه، فإنه كان عفيفا صدوقا! فلم أكتحل بعده بإثمد و لا فرقت رأسي بمخيط [4] و لا مشط و لا دهنته إلا من صداع خفت على/ بصري منه و لا لبست خمارا مصبوغا و لا إزارا و لا أزال أبكيه إلى الممات. قالت جميلة: فأنشدتني الشعر كلّه و هذا الغناء بعضه، و هو:

ألا من لقلب لا يملّ فيذهل‌

أفق فالتعزّي عن بثينة أجمل‌

مدحها ابن سريج فردت عليه مدحه ثم غنت و غنى هو و معبد و مالك بشعر حاتم الطائي‌

: قال ابن سلّام حدّثني جرير قال:

زار ابن سريج جميلة ليسمع منها و يأخذ عنها. فلما قدم عليها أنزلته و أكرمته و سألته عن أخبار مكة فأخبرها.

و بلغ معبدا الخبر [5]. [و كانت تطارحه و تسأله عن أخبار مكة فيخبرها]. و كانت عندها جارية محسنة لبقة ظريفة، فابتدأت تطارحها. فقال ابن سريج: سبحان اللّه! نحن كنّا أحقّ بالابتداء. قالت جميلة: كلّ إنسان في بيته أمير و ليس للداخل أن يتأمّر عليه. فقال ابن سريج: صدقت جعلت فداءك! و ما أدري أيّهما أحسن أدبك أم غناؤك!.

فقالت له: كفّ يا عبيد، فإنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قال: «احثوا في وجوه المدّاحين التراب» [6]. فسكت ابن سريج. و طارحت الجارية بشعر حاتم الطائي:

أ تعرف آثار الديار توهّما [7]

كخطّك في رقّ كتابا منمنما


[1] يريد: فيما هو أجدى عليك.

[2] في ب، س: «آذيت» و هو تصحيف.

[3] كذا في أ، م. و في سائر الأصول: «فلم نزل كذلك إلخ».

[4] لعله: «بخيط».

[5] هذه الجملة المحصورة بين قوسين وردت في ب، س، ح. و في سائر الأصول: «و بلغ معبدا الخبر فوجد عندها جارية إلخ».

[6] المراد بالمداحين هنا الذين عادتهم مدح الناس لغرض من الأغراض كتحصيل المال أو الجاه، و أما المدح على الفعل الحسن للتحريض على عمل الخير فليس منه. و حثو التراب في وجوههم، يراد به تجنبهم و ترك التحفي بهم.

[7] رواية هذا الشطر في «ديوانه»: أ تعرف أطلالا و نؤيا مهدّما.

اسم الکتاب : الاغانی المؤلف : ابو الفرج الإصفهاني    الجزء : 8  صفحة : 364
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست