و هي
قصيدة، فاجتمعوا على عمر بن يزيد. و لم يزالوا به حتى خلعوا المرأة منه.
استشفع عنبسة
بن سعيد إلى الحجاج ثم أنشده فأجازه
: أخبرني محمد
بن خلف قال حدّثني محمد بن الهيثم قال حدّثني عمّي أبو فراس قال حدّثني ودقة بن
معروف قال:
نزل جرير على
عنبسة [1] بن سعيد بواسط، و لم يكن أحد يدخلها إلا بإذن الحجّاج. فلما دخل على
عنبسة، قال له: ويحك! لقد غرّرت بنفسك! فما حملك على ما فعلت؟ قال: شعر قلته اعتلج
في صدري و جاشت به نفسي و أحببت أن يسمعه الأمير. قال: فعنّفه و أدخله بيتا في
جانب داره و قال: لا تطلعنّ رأسك حتى ننظر كيف تكون الحيلة لك. قال: فأتاه رسول
الحجّاج من ساعته يدعوه في يوم قائظ، و هو قاعد في الخضراء [2] و قد صبّ فيها ماء
استنقع [3] في أسفلها و هو قاعد على سرير و كرسيّ موضوع ناحية. قال عنبسة: فقعدت
على الكرسيّ، و أقبل عليّ الحجّاج يحدّثني. فلما رأيت تطلّقه و طيب نفسه قلت: أصلح
اللّه الأمير! رجل من شعراء العرب قال فيك شعرا أجاد فيه، فاستخفّه عجبه به حتى
دعاه إلى أن رحل إليك و دخل مدينتك من غير أن يستأذن له. قال: و من هو؟
قلت: ابن
الخطفى. قال: و أين هو؟ قلت: في المنزل. قال: يا غلام! فأقبل الغلمان يتسارعون.
قال: صف لهم موضعه من دارك؛ فوصفت لهم البيت الذي هو فيه، فانطلقوا حتى جاءوا به،
فأدخل عليه و هو مأخوذ بضبعيه حتى رمي به في الخضراء، فوقع على وجهه في الماء ثم
قام يتنفّش كما يتنفش الفرخ. فقال له: هيه! ما أقدمك علينا بغير إذننا/ لا أمّ لك؟
قال: اصلح اللّه الأمير! قلت في الأمير شعرا لم يقل مثله أحد، فجاش به صدري و
أحببت أن يسمعه منّي الأمير، فأقبلت به إليه. قال: فتطلّق الحجّاج و سكن، و
استنشده فأنشده. ثم قال: يا غلام! فجاءوا يسعون. فقال: عليّ بالجارية/ التي بعث
بها إلينا عامل اليمامة؛ فأتي بجارية بيضاء مديدة القامة. فقال: إن أصبت صفتها فهي
لك. فقال: ما اسمها؟ قال: أمامة؛ فأنشأ يقول:
ودّع أمامة حان منك رحيل
إنّ الوداع لمن تحبّ قليل
مثل الكثيب تهيّلت أعطافه
فالريح تجبر متنه و تهيل
تلك القلوب صواديا تيّمتها
و أرى الشفاء و ما إليه سبيل
فقال: خذ
بيدها. فبكت الجارية و انتحبت. فقال: ادفعوها إليه بمتاعها و بغلها و رحالها.
أمره الحجاج
و أمر الفرزدق بأن يدخلا عليه بلباس آبائهما في الجاهلية
: أخبرنا أبو
خليفة قال حدّثنا محمد بن سلام قال حدّثني أبو الغرّاف قال:
قال الحجّاج
لجرير و الفرزدق و هو في قصره بجزيز [4] البصرة: ائتياني في لباس آبائكما في
الجاهليّة. فلبس
[1]
هو عنبسة بن سعيد بن العاص أحد أشراف بني أمية، حبسه عبد الملك بن مروان يوم قتل
أخيه عمرو بن سعيد الأشدق. (انظر الطبري ق 2 ص 792، 869، 871 طبع أوربا).
[2] المراد
بها خضراء واسط، و تعرف بالقبة الخضراء، بناها الحجاج مع قصره و المسجد الجامع
بهذه المدينة. (راجع المجلد السابع من المكتبة الجغرافية ص 322 طبع أوربا).