تزوّج بنت ابن سريج و أخذ عنها غناء أبيها و انتحل أكثره:
قال هارون: و
حدّثني حماد عن أبيه قال:
ذكر ابن جامع
عن ابن عبّاد أن ابن سريج لما حضرته الوفاة نظر إلى ابنته فبكى، فقالت له: ما
يبكيك؟ قال:
أخشى عليك
الضيعة بعدي! فقالت له: لا تخف فما من غنائك شيء إلا و قد أخذته؛ قال: فغنّيني
فغنّته، فقال: قد طابت نفسي، ثم دعا بالهذليّ فزوّجها منه؛ فأخذ الهذليّ غناء
أبيها كلّه عنها فانتحل أكثره؛ فعامّة غناء الهذليّ لابن سريج مما أخذه عن ابنته و
هي زوجته.
حدره الحارث
بن خالد من منى ثم أذن له فرجع إليها:
أخبرني إسماعيل
بن يونس قال حدّثني عمر بن شبّة قال حدّثني محمد بن يحيى أبو غسّان قال:
كان الهذليّ
منزله بمنى، و كان فتيان قريش يأتونه فيغنّيهم هناك، ثم أقبل مرّة حتى جلس على
جمرة العقبة فغنّى هناك، فحدره الحارث من منى، و كان عاملا على مكة، ثم أذن له
فرجع إلى منى.
قصته مع فتية
من قريش غناهم فطربوا له و استعادوه:
قال هارون: و
حدّثني عليّ بن محمد النّوفليّ/ قال حدّثني أبي قال:
كان الهذليّ
النقّاش يغدو إليه فتيان قريش و قد عمل عمله بالليل، و معهم الطعام و الشراب و
الدراهم، فيقولون له: غنّنا؛ فيقول لهم: الوظيفة [1]، فيقولون: قد جئنا بها؛
فيقول: الوظيفة الأخرى، أنزلوا أحجاري، فيلقون ثيابهم و يأتزرون بأزرهم و ينقلون
الحجارة و ينزلونها، ثم يجلس على شنخوب [2] من شناخيب الجبل فيجلسون تحته في
السّهل فيشربون و هو يغنّيهم حتى المساء، و كانوا كذلك مدّة؛ فقال له يوما ثلاثة
فتية من قريش: قد جاءك كلّ واحد منا بمثل وظيفتك على الجماعة من غير أن تنقص
وظيفتك عليهم، و قد اختار كل واحد منا صوتا من غنائك ليجعله حظّه اليوم، فإن وافقت
الجماعة هوانا كان ذلك مشتركا بيننا، و إن أبوا غنّيت لهم ما أرادوا و جعلت هذه
الثلاثة الأصوات لنا بقية يومنا؛ قال: هاتوا، فاختار أحدهم:
فغنّاهم إياها،
فما سمع السامعون شيئا كان أحسن من ذلك؛ فلما أرادوا الانصراف قال لهم: إني قد
صنعت صوتا البارحة ما سمعه أحد، فهل لكم فيه؟ قالوا: هاته منعما بذلك؛ فاندفع
فغنّاهم:
[1]
الوظيفة: ما يقدّر من عمل و طعام و رزق و غير ذلك.