فقال: ليس هذا موضع حوائج؛ فقال: لتفعلنّ، و لم يزل يلحّ عليه حتى
قال له: أمير المؤمنين عليّ واجد؛ فأحبّ أن تترضّاه؛ قال: فإنّ أمير المؤمنين قد
رضي عنك، فهات حوائجك؛ فقال: هذه كانت حاجتي؛ قال: ارفع حوائجك كما أقول لك؛ قال:
عليّ دين فادح؛ قال: هذه أربعة آلاف ألف درهم، فإن أحببت أن تقبضها فاقبضها من
منزلي الساعة، فإنه لم يمنعني من إعطائك إيّاها إلا أنّ قدرك يجلّ على أن يصلك
مثلي، و لكني ضامن لها حتى تحمل من مال أمير المؤمنين غدا؛ فسل أيضا؛ قال: ابني،
تكلّم أمير المؤمنين حتى ينوّه باسمه؛ قال: قد ولّاه أمير المؤمنين مصر/ و زوّجه/
ابنته العالية [1] و مهرها ألفي ألف درهم. قال إسحاق: فقلت في نفسي: قد سكر الرجل
(أعني جعفرا). فلما أصبحت لم تكن لي همّة إلا حضور دار الرشيد؛ و إذا جعفر بن يحيى
قد بكّر، و وجدت في الدار جلبة، و إذا أبو يوسف القاضي و نظراؤه قد دعي بهم، ثم دعي
بعبد الملك بن صالح و ابنه فأدخلا على الرشيد؛ فقال الرشيد لعبد الملك: إنّ أمير
المؤمنين كان واجدا عليك و قد رضي عنك، و أمر لك بأربعة آلاف ألف درهم، فاقبضها من
جعفر بن يحيى الساعة. ثم دعا بابنه فقال: اشهدوا أنّي قد زوّجته العالية بنت أمير
المؤمنين و أمهرتها عنه ألفي ألف درهم من مالي و ولّيته مصر [2]. قال: فلمّا خرج
جعفر بن يحيى سألته عن الخبر؛ فقال: بكرت على أمير المؤمنين فحكيت له ما كان منا و
ما كنّا [3] فيه حرفا حرفا، و وصفت له دخول عبد الملك و ما صنع؛ فعجب لذلك و سرّ
به؛ ثم قلت له: قد ضمنت له عنك يا أمير المؤمنين ضمانا؛ فقال: ما هو؟ فأعلمته؛
قال: أوف له بضمانك، و أمر بإحضاره؛ فكان ما رأيت.
حمل علويه
لحنا له إلى أبيه فأعجب به و أثنى عليه:
أخبرني عمّي
قال حدّثني فضل اليزيديّ عن إسحاق قال:
لمّا صنعت لحني
في:
هل إلى نظرة إليك سبيل
ألقيته على
علّويه، و جاءني رسول أبي بطبق فاكهة باكورة؛ فبعثت إليه: برّك اللّه يا أبة و
وصلك! الساعة أبعث إليك بأحسن من هذه الباكورة؛ فقال: إني أظنّه قد أتى بآبدة [4]؛
فلم يلبث أن دخل عليه علّويه فغنّاه الصوت؛ فعجب منه و أعجب به، و قال: قد أخبرتكم
أنه قد أتى بآبدة. ثم قال لولده: أنتم تلومونني على/ تفضيل إسحاق و محبّتي له، و
اللّه لو كان ابن غيري لأحببته لفضله فكيف و هو ابني؛ و ستعلمون أنكم لا تعيشون
إلّا به. و قد ذكر أبو حاتم الباهليّ عن أخيه أبي معاوية بن سعيد بن سلم أنّ هذه
القصة كانت لمّا صنع إسحاق لحنه في:
غيّضن من عبراتهن و قلن لي
و قد ذكرت ذلك
مع أخبار هذا الصوت في موضعه.
[1]
كذا في الأصول و «ابن الأثير» (ج 6 ص 148) و الذي في «الطبري» (ص 759 من القسم
الثالث) «أم الغالية» بالغين المعجمة.
[2] الذي ذكر
في كتب التاريخ أن الذي ولى مصر من قبل الرشيد هو عبد الملك بن صالح و لم يدخلها و
إنما استخلف عليها عبد اللّه بن المشيب الضبي. و لم نعثر في كل هذه الكتب عند ذكر
ولاة مصر عن ابن لعبد الملك هذا، و لم نجد هذه القصة في مصدر آخر من كتب التاريخ و
الأدب، غير أن ابن طباطبا أوردها بعبارة أوسع في «الفخري» (ص 282 طبع أوروبا سنة
1894).