فضحك ثم قال:
يا إسحاق، عذرك أعلى قدرا من جرمك، و ما جال بفكري، و لا أخطرته [2] بعد انقضائه
على ذكري.
ما كان بينه
و بين ابن بانة في مجلس الواثق و قصيدته في ذمه و مدح الواثق:
حدّثني عمّي
قال حدّثني يزيد بن محمد المهلّبيّ قال:
خرجنا مع
الواثق إلى القاطول [3] للصيد، و معنا جماعة الجلساء و المغنّين و فيهم عمرو بن
بانة و علّويه و مخارق و عقيد، و قدم إسحاق في ذلك الوقت فأخرجه معه؛ فتصيّد على
القاطول ثم عاد فأكل و شرب أقداحا، ثم أمر بالبكور إلى الصّبوح فباكرنا و اصطبحنا.
فغنّى عمرو بن بانة لحن إبراهيم الموصليّ:
- و لحنه خفيف رمل بالوسطى- فغنّاه على ما أخذه
من إبراهيم بن المهديّ و قد غيّره. فقال الواثق لإسحاق:
أ تعرف هذا
اللحن؟ فقال: نعم، هذا لحن أبي و لكنّه مما زعم إبراهيم بن المهديّ أنه جندره و
أصلحه فأفسده و دمر [5] عليه؛ فقال له: غنّه أنت، فغنّاه فأتى به على حقيقته و
استحسنه الواثق جدّا؛ فغمّ ذلك عمرو بن بانة فقال لإسحاق: أ فأنت مثل إبراهيم بن
المهديّ حتّى تقول هذا فيه!؛ قال: لا و اللّه ما أنا مثله، أمّا على الحقيقة فأنا
عبده و عبد أبيه، و ليس هذا مما نحن فيه؛ و أمّا الغناء فما دخولك أنت بيننا فيه!
ما أحسنت قطّ أن تأخذ فضلا عن أن تغنّي، و لا قمت بأداء غناء فضلا عن أن تميّز بين
المحسنين؛ و إلّا فغنّ أيّ صوت شئت مما أخذته/ عنه و عن غيره كائنا من كان، فإن لم
أوضح لك و لمن حضر أنه لا يسلم لك صوت من نقصان أجزاء و فساد صنعة فدمى به رهن؛
فأساء عمرو الجواب/ و أغلظ في القول؛ فأمضّه الواثق و شتمه و أمر بإقامته عن مجلسه
فأقيم. فلمّا كان من الغد دخل إسحاق على الواثق فأنشده:
[3] القاطول:
اسم نهر يأخذ من دجلة في الجانب الشرقي، حفره كسرى أنوشروان العادل. و هو اسم نهر
آخر أيضا كان حفره الرشيد في موضع «سر من رأى» قبل أن يعمرها المعتصم، و كان يأخذ
من دجلة أيضا.
[4] النكد
(بالفتح و بالضم): قلة العطاء و ألا يهنأه من يعطاه. و في هذا الشعر إقواء، و هو
اختلاف حركة الرويّ.
[5] يقال:
دمر عليه (من باب نصر) دمرا و دمورا إذا دخل بغير إذن و هجم هجوم الشرّ.
[6] الدعثور:
الحوض المثلم، و قيل: هو الحوض الذي لم يتنوّق في صنعته و لم يوسع.