معمر بن المثنّى بالثقة و الصدق و السماحة و العلم؛ و فعل مثل ذلك
للفضل بن الرّبيع و استعان به؛ و لم يزل حتى وضع مرتبة الأصمعيّ و أسقطه عندهم، و
أنفذوا إلى أبي عبيدة من أقدمه.
أخبرني أبو
الحسن الأسديّ قال حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه قال:
أنشدت الفضل بن
الرّبيع أبياتا كان الأصمعيّ أنشدنيها في صفة فرس:
قال: و دخل
الأصمعيّ فسمعني أنشدها، فقال: هات بقيّتها؛ فقلت له: أ لم تقل إنه لم يبق منها
شيء؟ فقال:
ما بقي منها
إلّا عيونها، ثم أنشد بعد هذه الأبيات ثلاثين بيتا منها، فغاظني فعله؛ فلمّا خرج
عرّفت الفضل بن الربيع قلّة شكره لعارفة [5] و بخله بما عنده؛ و وصفت له فضل أبي
عبيدة معمر بن المثنّى و علمه و نزاهته و بذله لما عنده و اشتماله على جميع علوم
العرب، و رغّبته فيه، حتى أنفذ إليه مالا جليلا و استقدمه؛ فكنت سبب مجيئه به من
البصرة.
أخبرني عمّي
قال حدّثنا فضل اليزيديّ عن إسحاق قال:
/ جاء عطاء
الملك بجماعة من أهل البصرة إلى قريب أبي الأصمعيّ، و كان ندلا من الرجال، فوجده
ملتفّا في كسائه نائما في الشمس، فركضه برجله و صاح به: يا قريب، قم ويلك! فقال
له: هل لقيت أحدا من أهل العلم قطّ أو من أهل اللغة أو من العرب أو من الفقهاء أو
من المحدّثين؟ قال: لا و اللّه؛ قال: و لا سمعت شيئا ترويه لنا أو تنشدناه أو
نكتبه عنك؟ قال: لا و اللّه؛ فقال لمن حضر: هذا أبو الأصمعيّ، فاشهدوا لي عليه و
على ما سمعتم منه، لا يقل لكم غدا أو بعده: حدّثني أبي أو أنشدني أبي؛ ففضحه. قال
الفضل: ثم مرض الأصمعيّ، و كان الحال بينه و بين إسحاق الموصليّ انفرجت؛ فعاده أبو
ربيعة، و كان يرغب في الأدب و يبرّ أهله؛ فقال له الأصمعيّ: أقرضني خمسة آلاف
درهم؛ فقال: أفعل. فقال له أبو ربيعة: فأيّ شيء تشتهي سوى هذا؟ فقال: أشتهي أن
تهدي إليّ فصّا حسنا و سيفا قاطعا و بردا [6] حسنا و سرجا محلّى؛ فقال: أفعل، و
بعث بذلك إليه لمّا عاد إلى منزله. و بلغ ذلك إسحاق فقال:
[6] كذا في
ح: و في سائر الأصول: «برذونا». و الشعر الآتي يؤيد ما أثبتناه.
[7] هو أبو
عمرو بن العلاء أحد أئمة اللغة و الأدب، كان إمام أهل البصرة في القراءات و النحو
و اللغة، أخذ عن جماعة من التابعين؛ قال أبو عبيدة: أبو عمرو أعلم الناس بالقراءات
و العربية و أيام العرب و الشعر؛ و كان من أشراف العرب و وجهائها، مدحه الفرزدق و
وثقه يحيى بن معين و غيره. مات سنة أربع و قيل: سنة تسع و خمسين و مائة.
[8] هو
الخليل بن أحمد اللغوي النحوي العروضي، الذي ابتدع علم العروض. مات سنة سبعين و
مائة و قيل: سنة خمس و سبعين.