لإسحاق: ويلك! قد صرت تسرق الغناء و تدّعيه، اسمع هذا الصوت؛ فسمعه
فقال: هذا و حياتك لحني، و قد وقع عليّ فيه نقب من لصّ حاذق، و أنا أغوص عليه حتّى
أعرفه؛ ثم بكّر إلى عبد اللّه بن طاهر فقال: أ هذا حقّي و حرمتي و خدمتي! تأخذ
لميس لحني في:
أ ماويّ أنّ المال غاد و رائح
فتغنّيه في: «و
هبّت شمال»! و ليس بي ذلك، و لكن بي أنّها فضحتني عند الخليفة و ادّعت أنها أخذته
من بعض عجائز المدينة؛ فضحك عبد اللّه و قال: لو كنت تكثر عندنا كما كنت تفعل لم
تقدم عليك لميس و لا غيرها؛ فاعتذر فقبل عذره، و قال له: أيّ شيء تريد؟ قال: أريد
أن تكذّب نفسها عند من ألقته عليها حتى/ يعلم الخليفة بذلك؛ قال: أفعل؛ و مضى
إسحاق إلى المأمون و أخبره القصّة؛ فاستكشفها من لميس حتى وقف عليها، و جعل يعبث
بإسحاق بذلك مدّة.
غنى محمدا
الأمين في شعر له فيه فأجازه:
حدّثني جحظة
قال حدّثني عبيد اللّه بن عبد اللّه بن طاهر قال/ حدّثتني شهوات [1] الصّنّاجة
التي كان إسحاق أهداها إلى الواثق:
أن محمدا
الأمين لمّا غنّاه إسحاق لحنه الذي صنعه في شعره و هو الثقيل الأوّل:
صوت
يا أيّها القائم الأمين فدت
نفسك نفسي بالمال و الولد
بسطت للنّاس إذ وليتهم
يدا من الجود فوق كلّ يد
فأمر له بألف
ألف درهم؛ فرأيتها قد وصلت إلى داره يحملها مائة فرّاش.
سأله الواثق،
و هو يغنيه شعرا، عن أحسن ما فيه أعجب بجوابه و أجازه:
حدّثني جحظة و
محمد بن خلف بن المرزبان قالا حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه قال:
- و لحنه ثقيل ثان- قال: فقال لي: يا إسحاق، قد
أحسن ابن هرمة في البيتين، فأيّ شيء هو أحسن فيهما من جميعهما؟ قال قلت: قوله:
«الترب الغريب»، يريد أنّ الريح جاءت إلى الأرض بتراب ليس منها فهو غريب جاءت به
من موضع بعيد؛ فقال: صدقت و أحسنت؛ و أمر لي بخمسين ألف درهم.
[1]
في «مختار الأغاني» (ص 159): «شهوار» بالراء المهملة.
[2] تقدّم
هذا الشعر في ص 214 من هذا الجزء مع التعليقات عليه فراجعه.