لحنا في صوتك في إيقاعه و طريقته، و أمر من وراء السّتارة [1]
فغنّوه؛ فقلت: قد و اللّه يا أمير المؤمنين بغّضت إليّ لحني و سمّجته عندي؛ و قد
كنت استأذنته في الانحدار إلى بغداد فلم يأذن لي؛ فلمّا صنع هذا اللّحن و قلت له
ما قلت، أتبعته بأن قلت له: قد و اللّه يا أمير المؤمنين اقتصصت منّي في «لقد/
بخلت» و زدت؛ فأذن لي بعد ذلك.
الشعر لذي
الرّمّة، و الغناء لإسحاق رمل بالوسطى في البيتين. و للواثق في البيت الثاني وحده
رمل بالبنصر.
تأسى ابن
عياش بشعر ذي الرمة في البكاء عند المصائب:
أخبرني أحمد بن
عمّار قال حدّثني يعقوب بن نعيم قال حدّثني كثير بن أبي جعفر الحزاميّ [4] الكوفيّ
عن أحمد بن جوّاس الحنفيّ عن أبي بكر بن عيّاش قال:
كنت إذا
أصابتني المصيبة تصبّرت و أمسكت عن البكاء، فأجد ذلك يشتدّ عليّ، حتّى مررت ذات
يوم بالكناسة [5]، فإذا أنا بأعرابيّ واقف على ناقة له و هو ينشد:
خليليّ عوجا من صدور الرّواحل
بجرعاء حزوى فابكيا في المنازل
لعلّ انحدار الدّمع يعقب راحة
من الوجد أو يشفي نجيّ البلابل
فسألت عنه فقيل
لي: هذا ذو الرّمّة؛ فكنت بعد إذا أصابتني مصيبة بكيت فأجد لذلك راحة؛ فقلت: قاتل
اللّه الأعرابيّ! ما كان أعلمه و أفصح لهجته!.
سئل أيهما
أجود لحنك أم لحن الواثق فأجاب:
أخبرنا يحيى بن
عليّ عن أبيه قال:
قلت لإسحاق:
أيّما أجود، لحنك في «خليليّ عوجا» أم [6] لحن الواثق؟ فقال: لحني أجود قسمة و
أكثر عملا، و لحنه أطرب، لأنه جعل ردّته من نفس قسمته، و ليس يقدر على أدائه إلّا
متمكن من نفسه. قال عليّ بن
[1]
راجع أحوال خلفاء بني أمية و الدولة العباسية في الشرب و اللهو و احتجابهم عن
الندماء و المغنين بالستارة في كتاب «التاج في أخلاق الملوك» للجاحظ (ص 31- 45 طبع
المطبعة الأميرية).
[2] الجرعاء:
الأرض ذات الحزونة تشاكل الرمل، و قيل: هي الرملة السهلة المستوية. و حزوى (بضم
أوله و سكون ثانيه مقصورا):
موضع بنجد في
ديار تميم، و قال الأزهري: جبل من جبال الدهناء. و في «ديوانه» طبع أوروبا و «معجم
ياقوت»: «جمهور حزوي». و الجمهور: الرملة العظيمة المشرفة على ما حولها.