responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الاغانی المؤلف : ابو الفرج الإصفهاني    الجزء : 5  صفحة : 195

لا يكني؛ فداخلني ما لم أملك نفسي معه؛ فقلت له: أنت تشتمني، و أنا لا أقدر على إجابتك و أنت ابن الخليفة و أخو الخليفة، و لو لا ذلك لكنت أقول لك: يا ابن الزّانية؛ أو ترى أنّي كنت لا أحسن أن أقول لك: يا ابن الزانية؛ و لكن قولي في ذمّك ينصرف جميعه إلى خالك الأعلم [1]، و لولاك لذكرت صناعته و مذهبه- قال إسحاق: و كان ببطارا- قال: ثم سكتّ، و علمت أنّ إبراهيم يشكوني و أن الرشيد سوف يسأل من حضر مما جرى فيخبرونه، فتلافيت ذلك [2]، ثم قلت: أنت تظنّ أنّ الخلافة تصير إليك فلا تزال تهدّدني بذلك و تعاديني كما تعادي سائر أولياء أخيك حسدا له و لولده على الأمر! فأنت تضعف عنه و عنهم و تستخفّ بأوليائهم تشفّيا؛ و أرجو ألّا يخرجها اللّه عن يد الرشيد و ولده، و أن يقتلك دونها؛ فإن صارت إليك- و باللّه العياذ- فحرام عليّ العيش يومئذ، و الموت أطيب من الحياة معك، فاصنع حينئذ ما بدا لك. قال: فلمّا خرج الرشيد وثب إبراهيم فجلس بين يديه فقال:

يا أمير المؤمنين، شتمني و ذكر أمّي و استخفّ بي؛ فغضب و قال: ما تقول؟ ويلك! قلت: لا أعلم، فسل من حضر؛ فأقبل على مسرور [3] و حسين؛ فسألهما عن القصّة؛ فجعلا يخبرانه و وجهه يتربّد [4] إلى أن انتهيا إلى ذكر الخلافة، فسرّي عنه و رجع لونه، و قال لإبراهيم: ما له ذنب، شتمته فعرّفك أنه لا يقدر على جوابك، ارجع إلى موضعك و أمسك عن هذا. فلما انقضى المجلس و انصرف الناس، أمر بألّا أبرح، و خرج كلّ من حضر حتى لم يبق غيري؛ فساء ظنّي و أهمّتني نفسي؛ فأقبل عليّ و قال: ويلك/ يا إسحاق! أ تراني لم أفهم قولك و مرادك! قد و اللّه زنّيته [5] ثلاث مرات، أ تراني لا أعرف وقائعك و أقدامك و أين ذهبت! ويلك! لا تعد؛ حدّثني عنك، لو ضربك إبراهيم، أ كنت أقتصّ لك منه فأضربه و هو أخي يا جاهل؟! أتراك لو أمر غلمانه فقتلوك أ كنت أقتله بك؟! فقلت:

يا أمير المؤمنين، قد و اللّه قتلتني بهذا الكلام، و لئن بلغه ليقتلنّي، و ما أشك في أنه قد بلغه الآن؛ فصاح بمسرور الخادم و قال: عليّ بإبراهيم الساعة فأحضر، و قال: قم فانصرف؛ و قلت لجماعة من الخدم، و كلّهم كان لي محبّا و إليّ مائلا و لي مطيعا: أخبروني بما يجري، فأخبروني من غد أنه لمّا دخل وبّخه و جهّله و قال له: أ تستخفّ بخادمي و صنيعتي و نديمي و ابن نديمي/ و ابن خادمي و صنيعتي و صنيعة أبي في مجلسي، و تقدم عليّ و تستخفّ بمجلسي و حضرتي؟ هاه هاه [6].! أتقدم على هذا و أمثاله! و أنت مالك و للغناء، و ما يدريك ما هو! و من أخذك [7] به و طارحك إياه حتى تتوهّم أنك تبلغ مبلغ إسحاق الذي غذي به و علّمه و هو صناعته! ثم تظن أنك تخطّئه فيما لا تدريه، و يدعوك إلى إقامة الحجة عليك فلا تثبت لذلك و تعتصم بشتمه! أ ليس هذا مما يدلّ على السقوط و ضعف العقل و سوء الأدب من دخولك فيما لا يشبهك و غلبة لذّتك على مروءتك و شرفك ثم إظهارك إياه و لم تحكمه، و ادّعائك ما لا تعلمه حتى ينسبك الناس إلى الجهل المفرط! أ لا تعلم- ويلك- أنّ هذا سوء أدب و قلّة معرفة و قلة مبالاة بالخطإ و التكذيب و الردّ القبيح!. ثم قال: و اللّه العظيم و حقّ رسوله، و إلا فأنا نفيّ من المهديّ، لئن أصابه‌


[1] الأعلم: الذي بشفته العليا أو في جانبيها شق.

[2] عبارة «مختار الأغاني» لابن منظور: «فتلافيت ذلك بأن قلت ...».

[3] مسرور و حسين: خادمان كانا للرشيد.

[4] تريد وجهه: تغير و تعبس.

[5] زناء (بالتشديد): قذفه و نسبه إلى الزنا.

[6] هاه هاه: تكون حكاية لضحك الضاحك و للوعيد. و تكون أيضا في موضع آه التي للتوجع.

[7] كذا في ح و المختصر. و في سائر الأصول: «و من أخذ لحنه و طارحك ... إلخ».

اسم الکتاب : الاغانی المؤلف : ابو الفرج الإصفهاني    الجزء : 5  صفحة : 195
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست