عابه إبراهيم بن المهدي بترك التحريك في الغناء فبعث هو إليه بكلام
غاظه:
أخبرني عمّي
قال حدّثني عبد اللّه بن أبي سعد قال حدّثني محمد بن عبد اللّه بن مالك قال قال لي
محمد بن راشد الخنّاق [1]:
سمعت علّويه
يقول لإسحاق بن إبراهيم الموصليّ: إن إبراهيم بن المهديّ يعيبك بتركك تحريك
الغناء؛ فقال له إسحاق: ليتنا نفي بما علمناه، فإنا لا نحتاج إلى الزيادة فيه.
[ثم] [2] قال له: فإنه يزعم أنّ حلاوة الغناء تحريكه، و تحريكه عنده أن يكون كثير
النّغم، و ليس يفعل ذلك، إنما يسقط بعض عمله لعجزه عنه، فإذا فعل ذلك فهو بالإضافة
إلى حاله الأولى بمنزلة الأسكدار [3] للكتاب، و هو حينئذ بأن يسمّى المحذوف أشبه
منه بأن يسمّى المحرّك؛ فضحك علّويه ثم قال: فإن إبراهيم يسمّي غناءكم هذا الممسك
المناديّ؛ قال إسحاق: هذا من لغات الحاكة؛ لأنهم يسمّون الثوب الجافى [4] الكثير
العرض و الطول المداديّ؛ و على هذا القياس فينبغي لنا أن نسمّي غناءه المحرّك
الضّرابيّ، و هو الخفيف السخيف [5] من الثياب في لغة الحاكة، حتى ندخل الغناء/ في
جملة الحياكة و نخرجه عن جملة الملاهي؛ ثم قال لعلّويه؛ بحياتي عليك إلّا ما أعدت
عليه ما جرى؛ فقال له: لا و حياتك لا فعلت؛ فإنه يعلم ميلي إليكم، و لكن عليك بأبي
جعفر محمد بن راشد الخنّاق؛ فكلمه إسحاق و أقسم عليه أن يؤيده [6]، ففعل و سار إلى
إبراهيم فأخبره، فجعل كلّما أخبره شيئا تغيّظ و شتم إسحاق بأقبح شتم؛ ثم جاءه ابن
راشد فأخبره؛ فجعل [9] كلّما أخبره بشيء من ذلك ضحك و صفّق سرورا لغيظ إبراهيم من
قوله.
أخبرني حبيب بن
نصر المهلّبيّ قال حدّثني علي بن محمد النّوفليّ قال أخبرني محمد بن راشد الخنّاق
قال:
إني لفي منزلي
يوما مع الظهر إذ دخل عليّ إسحاق بن إبراهيم الموصليّ، فسررت بمكانه؛ فقال: قد
جاءت بي إليك حاجة؛ قال قلت: قل ما شاء اللّه؛ قال: دعني في بيتك، و دع غلاميك
عندي: بديحا و سليمان- و كانا خادمين مغنّيين- و مرهما أن يغنّياني، و ائتني بفلان
ليغنّيني أيضا، بحياتي عليك، و انطلق إلى إبراهيم ابن المهديّ، فإنه سيسرّ بمكانك،
فاشرب معه أقداحا، ثم قل [له] [8]: يا سيّدي، أسألك عن شيء، فإذا قال: سل، فقل
له:
أخبرني عن
قولك:
ذهبت من الدنيا و قد ذهبت منّي
أيّ شيء كان
معنى صنعتك فيه؟ و أنت تعلم أنه لا يجوز في غنائك الذي صنعته فيه إلا أن تقول:
«ذهبتو» بالواو، فإن قلت: «ذهبت» و لم تمدّها انقطع اللحن و الشعر، و إن مددتها
قبح الكلام و صار على كلام النّبط؛ فقلت له: يا أبا محمد، كيف أخاطب/ إبراهيم
بهذا؟ فقال: هو حاجتي إليك و قد كلّفتك إياها، فإن استحسنت أن تردّني
[1]
كذا في ب، ح هنا و فيما سيأتي في أكثر الأصول، و في سائر الأصول هنا: «الخفاف».