البيت الثاني، فليردده؛ فردّه فنقص من أجزائه و فسمته، فعرّفته فأقرّ
به؛ فقلت: يا أمير المؤمنين، هذه صناعتي و صناعة آبائي و إبراهيم يكلّمني فيها، و
أنا أسأله عن ثلاثين مسألة من باب واحد في طريق الغناء لا يعرف منها مسألة واحدة؛
فقال: أو يعفيني أمير المؤمنين من كلامه؟ فأعفاه.
و قد أخبرني
بهذا الخبر الحسن بن عليّ قال حدّثنا يزيد بن محمد المهلّبي عن إسحاق؛ فذكر نحوا
مما ذكره يحيى، و ذكر أنّ القصة كانت بين يدي المعتصم؛ و زاد فيها فقال:
أنا أسأله عن
ثلاثين مسألة و أوقفه على خطئه فيها، فإن لم يقرّ بذلك أقرّ به مخارق و علّويه؛
فقال: أو يعفيني أمير المؤمنين من كلامه! فإنه يعدل عندي البختج [1]؛ قلت: يا أمير
المؤمنين، و ما يفعل البختج؟ قال: يسلح؛ قلت [2]: قد و اللّه فعل ذلك كلامي به، و
منه هرب؛ فضحك و غطّى فاه و قام؛ فظنّ إسحاق بن إبراهيم المصعبيّ أنّي قد أغضبته،
فضرب بيده إلى السيف؛ فقلت له: لا تحسب أنّي أغضبته؛ فما كنت لأكلّم عمّه بين يديه
بهزء [3] من غير إذنه، فأمسك؛ و كان لا يقدم أحد أن يكلّم الخليفة بحضرته بما فيه
الوهن إلا بادر إلى سيفه تعظيما للأمير [4] و إجلالا له.
عرف في مجلس
المأمون خطأ في وتر بين ثمانين وترا و عشرين جارية يغنين:
أخبرني يحيى بن
عليّ قال حدّثنا أحمد بن القاسم الهاشميّ عن إسحاق، و أخبرني الحسين بن يحيى قال
حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه قال:
/ دعاني
المأمون و عنده إبراهيم بن المهديّ، و في مجلسه عشرون جارية قد أجلس عشرا عن يمينه
و عشرا عن يساره و معهنّ العيدان يضربن بها؛ فلمّا دخلت سمعت من الناحية اليسرى
خطأ فأنكرته؛ فقال المأمون: يا إسحاق، أ تسمع خطأ؟ فقلت: نعم و اللّه يا أمير
المؤمنين؛ فقال لإبراهيم: هل تسمع خطأ؟ فقال: لا؛ فأعاد عليّ السؤال، فقلت: بلى و
اللّه/ يا أمير المؤمنين، و إنه لفي الجانب الأيسر؛ فأعاد إبراهيم سمعه إلى
الناحية اليسرى ثم قال: لا و اللّه يا أمير المؤمنين، ما في هذه الناحية خطأ؛ فقلت
يا أمير المؤمنين: مر الجواري اللواتي على اليمين يمسكن، فأمرهنّ فأمسكن؛ فقلت
لإبراهيم: هل تسمع خطأ؟ فتسمّع ثم قال: ما هاهنا خطأ؛ فقلت: يا أمير المؤمنين،
يمسكن و تضرب الثامنة. فأمسكن و ضربت الثامنة، فعرف إبراهيم الخطأ، فقال: نعم يا
أمير المؤمنين، هاهنا خطأ؛ فقال عند ذلك لإبراهيم: يا إبراهيم، لا تمار إسحاق
بعدها؛ فإن رجلا فهم الخطأ بين ثمانين وترا و عشرين حلقا لجدير ألّا تماريه؛ فقال:
صدقت يا أمير المؤمنين. و قال الحسين بن يحيى في خبره: و كان في الأوتار كلّها
مثنى فاسد التسوية. و قال فيه: فطرب أمير المؤمنين المأمون، و قال: للّه درّك يا
أبا محمد؛ فكنّاني يومئذ.
ثناء الواثق
عليه:
أخبرني أحمد بن
جعفر جحظة قال حدّثني أحمد بن حمدون قال:
[1]
البختج (كقنفذ كما جاء في «شرح القاموس»): العصير المطبوخ.