الشعر و الغناء
لإبراهيم، هزج ثقيل بالسبّابة في مجرى البنصر.
أخذت عنه
جاريته دمن صوتا على غرة منه لبخله بالغناء:
حدّثني عليّ بن
هارون قال حدّثني محمد بن موسى اليزيديّ قال حدّثتني دمن جارية إسحاق الموصليّ، و
كانت من كبار جواريه و أحظى من عنده، و لقيتها فقلت لها: أيّ شيء أخذت عن مولاك
من الغناء؟ فقالت: لا و اللّه ما أخذت أنا عنه و لا واحدة من جواريه صوتا قطّ! كان
أبخل بذلك، و ما أخذت منه قطّ إلّا صوتا واحدا، و ذلك أنه انصرف من دار الخليفة و
هو مثخن سكرا [2]، فدخل/ إلى بيت كان ينام فيه، فرأى عودا معلّقا فأخذه بيده، و
قال لخادمه: يا غلام، صح لي بدمن؛ فجاءني الغلام فخرجت، فلما بلغت الباب إذا هو
مستلق على فراشه و العود في يده و هو يصنع هذا الصوت و يردّده، و قد اسحنفر [3] في
نغمه و تنوق [4] فيها حتى/ استقام له، و هو:
صوت
ألا ليلك لا يذهب
و نيط الطّرف بالكوكب
و هذا الصّبح لا يأتي
و لا يدنو و لا يقرب
فلمّا سمعته
علمت أنّي [إن] [5] دخلت إليك أمسك، فوقفت أستمعه حتى فرغ منه و أخذته عنه؛ فلما
فرغ منه وضع العود من يده، و ذكر أنه قد طلبني فقال: يا غلام، أين دمن؟ فقلت: ها
أنا ذي؛ فقال: مذ كم أنت واقفة؟
فقلت: منذ
ابتدأت بالصوت و قد أخذته؛ فنظر إليّ نظر مغضب أسف، ثم قال: غنّيه، فغنّيته حتى
استوفيته؛ فقال لي و قد فتر و خجل: قد بقيت عليك فيه بقيّة أنا أصلحها لك؛ فقلت:
لست أحتاج إلى إصلاحك إياه، و قد و اللّه أخذته على رغمك؛ فضحك. لحن هذا الصوت من
الهزج بالبنصر، و الشعر و الغناء لإسحاق.
غنى إبراهيم
بن المهديّ عند المعتصم صوتا لابن جامع فأظهر هو خطأ فيه ثم هزأ بإبراهيم:
أخبرنا يحيى بن
عليّ قال قال لي إسحاق:
كنت عند
المعتصم و عنده إبراهيم بن المهديّ، فغنّى إبراهيم صوتا لابن جامع أخلّ ببعضه، ثم
قال:
يا أمير
المؤمنين، ترك ابن جامع الناس يحجلون خلفه و لا يلحقونه. و في هذا الصوت خاصّة؛
فقلت: و اللّه يا أمير المؤمنين، ما صدق،/ و ما هذا الصوت بتامّ الأجزاء؛ فقال:
كذب و اللّه يا أمير المؤمنين؛ فقلت: يا سيّدي، أنا أوقفه على نقصانه، فمره فليعد
يا أمير المؤمنين؛ فأعاد البيت الأوّل فأقامه و طمع في الإصابة؛ فقلت: آفته في
[1]
همت: أصله «هممت» حذفت إحدى الميمين تخفيفا. و شرط جواز هذا الحذف في الماضي أن
تكون عينه مكسورة نحو ظل تقول فيه: «ظللت» على الإتمام و «ظلت» (بفتح أوّله أو
بكسره بنقل حركة عين الفعل إلى الفاء) على الحذف. و لكن ابن الأنباري حكى «همت» في
هممت مع أنه مفتوح العين. و هم بالشيء: نواه و أراده.
[2] كذا في
أكثر الأصول. و في ب، س: «و هو مثخن سكران».
[3] كذا صححه
الأستاذ الشنقيطي في نسخته. و اسحنفر في الشيء: مضى فيه و لم يتمكث. و في الأصول:
«استخفر».