صوته الذي غنّاه أحسن صنعة منه و أجود و أشجى، و إنما يغلبني عند هذا
الرجل بصوته، و لا مطعن على صوتك، و إذا أطربته و غلبته عليه بما تأخذه مني قام
ذلك لي [1] مقام الظّفر؛ و سيصبح أمير المؤمنين غدا فيدخل الحمام و نحضر ثم يخرج
فيدعو بالطعام و يدعو بنا و يأمر ابن جامع فيردّ الصوت الذي غناه و يشرب عليه رطلا
و يأمر له بجائزة، فإذا فعل فلا تنتظره أكثر من أن يردّ ردّته حتى تغنّي ما أعلّمك
إياه الساعة، فإنه يقبل عليك و يصلك، و لست أبالي ألّا يصلني بعد أن يكون إقباله
عليك؛ فقلت: السمع و الطاعة؛ فألقى عليّ لحنه:
يا دار سعدى بالجزع من ملل
و ردّده [2]
حتى أخذته و انصرف؛ ثم بكّر عليّ فاستعاد الصوت فردّدته حتى رضيه، ثم ركبنا و أنا
أدرسه حتى صرنا إلى دار الرشيد؛ فلمّا دخلنا فعل الرشيد جميع ما وصفه إبراهيم شيئا
فشيئا، و كان إبراهيم أعلم الناس به، ثم أمر ابن جامع فردّ الصوت و دعا برطل
فشربه، و لما استوفاه و استوفى ابن جامع صوته لم أدعه يتنفّس حتى اندفعت فغنّيت
صوت إبراهيم، فلم يزل يصغى إليه و هو باهت حتى استوفيته؛/ فشرب و قال: أحسنت و
اللّه! لمن هذا الصوت؟ فقلت: لإبراهيم؛ فلم يزل يستدنيني حتى صرت قدّام سريره، و
جعل يستعيد الصّوت فأعيده و يشرب [عليه] [3] رطلا، فأمر لإبراهيم بجائزة سنيّة و
أمر لي بمثلها؛ و جعل ابن جامع يشغب و يقول: يجيء بالغناء فيدسّه في أستاه
الصّبيان! إن كان محسنا فليغنّه هو، و الرشيد يقول [له] [3]: دع ذا عنك، فقد و
اللّه استقاد منك و زاد عليك.
صوت من
المائة المختارة
تولّى شبابك إلا قليلا
و حلّ المشيب فصبرا جميلا
كفى حزنا بفراق الصّبا
و إن أصبح الشّيب منه بديلا
الشعر و الغناء
لإسحاق. و لحنه المختار ثاني ثقيل بالوسطى في مجراها عن إسحاق بن عمرو.