صنعة إبراهيم في هذين الشعرين جميعا من الماخوريّ بالوسطى، و هو خفيف
الثقيل الثاني. و أخباره كلها في هذا المعنى تأتي في أخبار ذي الرّمّة مشروحة.
سأل الرشيد
أن يختصه بالغناء في شعر ذي الرمة و كان الرشيد يؤثره:
حدّثني [محمد
بن] [1] مزيد قال حدّثني حمّاد عن أبيه قال قال [لي] [1] أبي:
قال [لي] [1]
جعفر بن يحيى يوما و قد علم أنّ الرشيد أذن لي و للمغنّين في الانصراف يومئذ: صر
إليّ حتى أهب [2] لك شيئا حسنا- فصرت إليه فقال لي: أيّما أحبّ إليك: أهب لك
الشيء الحسن الذي و عدتك به، أم [3] أرشدك إلى شيء تكسب به ألف ألف درهم؟ فقلت:
بل يرشدني الوزير- أعزّه اللّه- إلى هذا الوجه فإنه يقوم مقام إعطائه إيّاي هذا
الحسن [4]؛ فقال: إنّ أمير المؤمنين يحفظ شعر ذي الرّمّة حفظ الصّبا [5] و يعجبه و
يؤثره، فإذا سمع فيه غناء، أطربه أكثر مما يطربه غيره مما لا يحفظ شعره؛ فإذا
غنّيته فأطربته و أمر لك بجائزة، فقم على رجليك قائما و قبّل الأرض بين يديه و قل
له: لي حاجة غير هذه الجائزة أريد أن أسألها أمير المؤمنين، و هي حاجة تقوم عندي
مقام كل فائدة و لا تضرّه و لا ترزؤه؛ فإنه سيقول لك: أيّ شيء حاجتك؟ فقل: قطيعة
تقطعنيها سهلة عليك لا قيمة لها و لا منفعة فيها لأحد؛ فإذا أجابك إلى ذلك، فقل
له: تقطعني شعر ذي الرمّة أغنّي فيه ما أختاره و تحظر على المغنّين جميعا أن [6]
يداخلوني فيه، فإني أحبّ شعره و أستحسنه فلا أحبّ أن ينغّصه عليّ أحد منهم، و
توثّق منه في ذلك؛ فقبلت ذلك القول منه، و ما انصرفت من عنده بعد ذلك إلا بجائزة؛/
و توخّيت وقت الكلام في هذا المعنى حتى وجدته، فقمت فسألت كما قال لي، و تبيّنت
السرور في وجهه، و قال: ما سألت شططا، قد [7] أقطعتك سؤلتك؛ فجعلوا يتضاحكون من
قولي و يقولون: لقد استضخمت القطيعة و هو ساكت؛ فقلت: يا أمير المؤمنين، أ تأذن لي
في التوثّق؟ قال: توثّق كيف شئت؛ فقلت: باللّه و بحقّ رسوله و بتربة أمير المؤمنين
المهديّ إلّا جعلتني على ثقة من ذلك بأنك [تحلف [8] لي أنك] لا تعطي أحدا من
المغنّين جائزة على شيء يغنّيه في شعر ذي الرّمّة فإنّ ذلك وثيقتي؛ فحلف مجتهدا
لهم لئن غنّاه أحد منهم في شعر ذي الرّمّة لا أثابه بشيء و لا برّه و لا سمع
غناءه؛ فشكرت فعله و قبّلت الأرض بين يديه و انصرفنا. فغنّيت مائة صوت و زيادة [9]
في شعر ذي الرّمّة، فكان إذا سمع منها صوتا
()
و ورد في كثير من كتب الأدب و منها ديوان ذي الرمة هكذا:
ثلاث الأثافي و الرسوم البلاقع
و كذلك
أوردته أكثر معاجم اللغة شاهدا على تعريف المضاف إليه في العدد. و في باقي الأصول
هنا: «ثلاث أثاف أو رسوم بلاقع».
(و الأثافي)
الأحجار التي توضع عليها القدر، واحدها أثفية (بضم الهمزة و كسرها).
[2] كذا في
ط، ء، و هو الصواب لأن «وهب» يتعدى إلى المفعول الأوّل باللام، و قد جاء في
التنزيل: لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا. و أنكر سيبويه أن
يقال: أهبك كذا؛ و نقل عن أبي عمرو أنه سمع أعرابيا يقول لآخر: انطلق معي أهبك
نبلا. و في سائر الأصول: «حتى أهبك».
[3] يراد هنا
التعيين، فلهذا وضعنا «أم» بدل «أو» التي وردت في الأصول.