فحدّثته بحديثها، فأمر بإحضارها فحضرت؛ فقال لها: غنّي الصوت الذي
حدّثني إبراهيم عنك أنك غنّيته، فغنته و هي تبكي؛ فرقّ الرشيد لها و تغرغرت [1]
عيناه، و قال لها: أ تحبّين أن أشتريك؟ فقالت: يا أمير المؤمنين،/ لقد عرضت عليّ
ما يقصر عنه الأمل، و لكن ليس من الوفاء أن يملكني أحد بعد سيّدي فينتفع بي؛
فازداد رقّة عليها، و قال: غنّي صوتا آخر، فغنّت:
العين تظهر كتماني و تبديه
و القلب يكتم ما ضمّنته فيه
فكيف ينكتم المكتوم بينهما
و العين تظهره و القلب يخفيه
فأمر بأن تبتاع
و تعتق، و لم يزل يجري عليها إلى أن ماتت.
قصته مع
الرشيد بشأن الجارية التي عرض بها في مجلسه:
أخبرنا محمد
قال حدّثنا حمّاد عن أبيه عن جدّه قال:
قال لي الرشيد
يوما: يا إبراهيم، بكّر عليّ غدا حتى نصطبح؛ فقلت [2] له: أنا و الصبح كفرسي رهان؛
فبكّرت فإذا أنا به خاليا [3]، و بين يديه جارية كأنها خوط بان أو جدل عنان، حلوة
المنظر، دمثة الشمائل، و في يدها عود؛ فقال لها: غنّى، فغنت في شعر أبي نواس و هو:
قال إبراهيم:
فذهبت و اللّه بعقلي حتى كدت أن أفتضح، فقلت: من هذه يا أمير المؤمنين؟ فقال: هذه
التي يقول فيها الشاعر:
لها قلبي الغداة و قلبها لي
فنحن كذاك في جسدين روح
/ ثم قال لها: غنّى، فغنّت:
صوت
تقول غداة البين إحدى نسائهم
لي الكبد الحريّ فسر و لك الصّبر
و قد خنقتها عبرة فدموعها
على خدّها بيض و في نحرها صفر
- الشعر لأبي الشّيص. و الغناء لعمرو بن بانة،
خفيف رمل بالوسطى من كتابه و فيه لمتيّم ثاني ثقيل و خفيف رمل آخر- قال: فشرب و
سقاني ثم سقاها، ثم قال: غنّ يا إبراهيم؛ فغنّيت حسب ما في قلبي غير متحفّظ من
شيء:
[1]
كذا في ط، ء. و في سائر الأصول: «فغنته و هي تبكي فتغرغرت عينا الرشيد ... إلخ».
[2] كذا في
ط، ء. و في سائر الأصول: «فكنت أنا و الصبح ... إلخ».
[3] في
الأصول: «خال» بالرفع، و القواعد تأباه، إذ هو حال من الضمير في «به».
[4] أثر
الجرح (بالضم و بضمتين أيضا): أثره يبقى بعد ما يبرأ.