مع الجائزة دابّة بسرجه و لجامه [1]، و لن تنصرف الليلة إلا على
مثله، فقمت فقبّلت يده؛ فأمر لي بألفي دينار آخرين، و قال: تلك الكرّة شكرت على
الجائزة بكلام فزدناك، و الآن شكرت بفعل أوجب الزيادة، و لو لا أنّي مضيق في هذا
الوقت لضاعفتها، و لكنّ الدهر بيننا مستأنف جديد.
غنى الرشيد
في طريقه إلى طوس بشعر له فاستحسن الغناء دون الشعر:
حدّثني جحظة
قال حدّثني هبة اللّه بن إبراهيم بن المهديّ عن أبيه قال:
/ لمّا نزل
الرشيد في طريقه إلى طوس [2] بشبداز [3] جلس يشرب عنده، فكان إبراهيم الموصليّ
أوّل من غنّاه، فابتدأ بهذا الصوت، و الشعر له:
- و هو من الثقيل الأوّل- فأمر له بألف دينار،
و لم يستحسن الشعر، و قال له: يا إبراهيم صنعتك فيه أحسن من شعرك؛ فخجل و قال: يا
سيّدي شغل خاطري الغناء فقلت لوقتي ما حضرني؛ فضحك الرشيد من قوله و قال له:
صدقت.
كان كثير
الأصدقاء من الأشراف:
أخبرنا يحيى بن
عليّ بن يحيى عن حمّاد عن أبيه قال:
كان جدّك محبّا
للأشراف كثير الأصدقاء منه، حتى إن كان الرشيد ليقول كثيرا: ما أعرف أحدا أكثر
أصدقاء من إبراهيم.
كان مع
الغناء كاتبا و شاعرا و خطيبا:
قال إسحاق: و
ما سمعت أحسن غناء من أربعة: أبي، و حكم الوادي، و فليح ابن أبي العوراء، و سياط؛
فقلت له: و ما بلغ من حذقهم؟ قال: كانوا يصنعون فيحسنون، و يؤدّون غناء غيرهم
فيحسنون؛ فقلت: فأيّهم كان أحذق؟ قال: كانوا/ بمنزلة خطيب أو كاتب أو شاعر يحسن
صناعته، فإذا انتقل عنها إلى غيرها لم يبلغ منها ما
[1]
كذا في ط، ء، و هو الذي يوافق الضمير في: «إلا على مثله». و في باقي الأصول:
«بسرجها و لجامها».
[2] طوس (بضم
أوّله و سين مهملة): مدينة معروفة ما بين الريّ و نيسابور في أوّل عمل خراسان و
فيها دفن هارون الرشيد. قال ابن حوقل: و على ربع فرسخ منها قبر علي بن موسى الرضا.
[3] كذا في
ط، ء. و شبداز: موضع بين حلوان و قرميسين تبعد عن قرميسين يسرة بأقل من فرسخين. و
في سائر الأصول: «شيراز» و هو تحريف. (راجع «معجم البلدان» في الكلام على شبداز و «المسالك
و الممالك» لابن خرداذبه في كلامه على الطريق من مدينة السلام إلى أقاصي خراسان ص
18 طبع مدينة ليدن).
[4] كذا في
ب، س. و في سائر الأصول: «أقاما مع حجاج». و الحجاج: الكثير الحج. يريد أن الدين و
الدنيا قد اجتمعا للرشيد الذي كان كثير الحج و الغزو.