دخل النابغة
الجعديّ على عثمان رضي اللّه تعالى عنه فقال: أستودعك اللّه يا أمير المؤمنين؛
قال: و أين تريد يا أبا ليلى؟ قال: ألحق بإبلي فأشرب من ألبانها فإني منكر لنفسي؛
فقال: أ تعرّبا [1] بعد الهجرة يا أبا ليلى! أ ما علمت أن ذلك مكروه؟! قال: ما
علمته، و ما كنت لأخرج حتى أعلمك. قال: فأذن له، و أجّل له في ذلك أجلا؛ فدخل على
الحسن و الحسين ابني عليّ فودّعهما؛ فقالا له: أنشدنا من شعرك يا أبا ليلى؛
فأنشدهما:
الحمد للّه لا شريك له
من لم يقلها فنفسه ظلما
فقالا: يا أبا
ليلى، ما كنا نروي هذا الشعر إلا لأميّة بن أبي الصّلت؛ فقال: يا بني رسول اللّه
صلى اللّه عليه و سلم إني لصاحب هذا الشعر و أوّل من قاله، و إن السّروق [2] لمن
سرق شعر أمية.
كان النابغة
شاعرا متقدّما، و كان مغلّبا ما هاجى قطّ إلا غلب، هاجى أوس بن مغراء و ليلى
الأخيليّة و كعب بن جعيل فغلبوه جميعا.
مهاجاته أوس
بن مغراء:
و قال أبو عمرو
الشّيبانيّ: كان بدء حديث النابغة و أوس بن مغراء أنّ معاوية لما وجّه بسر بن
أرطاة [4] الفهريّ لقتل شيعة عليّ بن أبي طالب رضي اللّه تعالى عنه،/ قام إليه معن
بن يزيد بن الأخنس السّلميّ و زياد بن الأشهب بن ورد بن عمرو بن ربيعة بن جعدة،
فقالا: يا أمير المؤمنين، نسألك باللّه و بالرحم ألّا تجعل لبسر على قيس سلطانا،
فيقتل [5] قيسا بمن قتلت بنو/ سليم من بني فهر و بني كنانة يوم دخل رسول اللّه صلى
اللّه عليه و سلم مكة؛ فقال معاوية: يا بسر لا أمر [6] لك على قيس؛ و سار بسر حتى
أتى المدينة، فقتل [7] ابني عبيد اللّه بن العباس، و فرّ أهل المدينة و دخلوا
الحرّة (حرّة بني سليم). ثم سار بسر حتى أتى الطائف؛ فقالت له ثقيف: ما لك علينا
سلطان، نحن من قيس؛ فسار حتى أتى همدان و هم في جبل لهم يقال له شبام، فتحصّنت فيه
همدان، ثم نادوا: يا بسر نحن همدان و هذا شبام، فلم يلتفت إليهم؛ حتى إذا اغترّوا
و نزلوا إلى قراهم، أغار عليهم فقتل و سبى نساءهم؛ فكنّ أوّل مسلمات سبين في
[1]
يقال: تعرّب الرجل: صار أعرابيا بعد أن كان عربيا و في الحديث: ثلاث من الكبائر:
منها التعرّب بعد الهجرة و هو أن يعود إلى البادية و يقيم مع الأعراب بعد أن كان
مهاجرا.
[3] في
الأصول: «قال أبو زيد قال عمر .... إلخ» بزيادة «قال» و هو خطأ، إذ أبو زيد كنية
عمر بن شبة. و في م: «قال أبو زيد في خبره» دون «عمر بن شبة».
[4] في «أسد
الغابة» «و قيل: ابن أبي أرطاة» و مثله في «طبقات ابن سعد». و في «الاستيعاب»:
«بسر بن أرطاة بن أبي أرطاة» و هو أحد من بعثه عمر بن الخطاب مددا لعمرو بن العاص
لفتح مصر و شهد صفين مع معاوية و كان شديدا على عليّ و أصحابه.
[5] كذا في
م. و في باقي الأصول: «فيجعل قيسا ...» و هو تحريف.
[7] في
الطبري «و المعارف» لابن قتيبة أن قتلهما كان باليمن، و قد كان أبوهما واليا عليها
من قبل عليّ، فلما بلغه مسير بسر فرّ إلى الكوفة، فكان من أمر ابنيه الطفلين ما
ذكر.