دوشابيّ [1] غليظ مسحوريّ [2] رديء. فقلت/ له: لا تفعل، و جهدت به
ألّا يأكل و لا يشرب إلّا عند محمد بن سليمان؛ فلم يلتفت إليّ، و أكل ذلك الرأس و
شرب من ذلك النبيذ الغليظ حتّى طابت نفسه، و غنّى و غنّى القيّم معه مليّا؛ ثم
خاطب القيّم بما أغضبه، و تلاحيا و تواثبا؛ فأخذ القيّم شيئا فضربه به على رأسه
فشجّه حتّى جرى دمه.
فلمّا رأى الدم/
على وجهه اضطرب و جزع و قام يغسل جرحه، و دعا بصوفة محرقة و زيت، و عصبه و تعمّم و
قام معي. فلمّا دخلنا دار محمد بن سليمان. و رأى الفرش و الآلة و حضر الطعام فرأى
سروه [3] و طيبه، و حضر النبيذ و آلته، و مدّت الستائر و غنّى الجواري، أقبل عليّ
و قال: يا مجنون! سألتك باللّه أيّما أحقّ بالعربدة و أولى: مجلس القيّم أم مجلس
الأمير؟ فقلت: و كأنه لا بدّ من عربدة! قال: لا! و اللّه ما لي منها بدّ، فأخرجتها
من رأسي هناك.
فقلت: أمّا على
هذا الشرط فالذي فعلت أجود. فسألني محمد عما كنّا فيه فأخبرته؛ فضحك ضحكا كثيرا، و
قال:
هذا الحديث و
اللّه أظرف و أطيب من كلّ غناء؛ و خلع عليه و أعطاه خمسة آلاف درهم.
اتفق مع حكم
الوادي على إسقاط ابن جامع عند يحيى بن خالد:
قال هارون بن
محمد و حدّثني حمّاد بن إسحاق قال حدّثني أبو إسحاق القرمطيّ قال حدّثنا مدركة بن
يزيد قال:
قال لي فليح بن
أبي العوراء: بعث يحيى بن خالد إليّ و إلى حكم الواديّ و إلى ابن جامع، فأتيناه.
فقلت لحكم: إن قعد ابن جامع معنا فعاونّي عليه لنكسره. فلمّا صرنا إلى الغناء غنّى
حكم؛ فصحت و قلت: هكذا و اللّه يكون الغناء! ثم غنيت، ففعل لي حكم مثل ذلك. و غنّى
ابن جامع فما كنّا معه في شيء. فلمّا كان/ العشيّ أرسل إلى جاريته دنانير: إنّ
أصحابك عندنا، فهل لك أن تخرجي إلينا؟ فخرجت و خرج معها و صائف؛ فأقبل عليها يقول
لها من حيث يظنّ أنّا لا نسمع: ليس في القوم أنزه نفسا من فليح. ثم أشار إلى غلام
له: أن ائت كلّ إنسان بألفي درهم، فجاء بها؛ فدفع إلى ابن جامع ألفي درهم فأخذها
فطرحها في كمّه، و فعل بحكم الواديّ مثل ذلك فطرحها في كمّه، و دفع إليّ ألفين.
فقلت لدنانير: قد بلغ منّي النبيذ، فاحبسيها لي عندك حتى تبعثي بها إليّ؛ فأخذت
الدراهم منّي و بعثت بها إليّ من الغد، و قد زادت عليها؛ و أرسلت إليّ: قد بعثت
إليك بوديعتك و بشيء أحببت أن تفرّقه على أخواتي (تعني جواريّ).
طلبه الفضل
بن الربيع فجيء به مريضا فغنى و رجع ثم مات في علته:
قال هارون بن
محمد و حدّثني حمّاد قال حدّثني أبي قال:
كنّا عند الفضل
بن الربيع، فقال: هل لك في فليح بن أبي العوراء؟ قلت نعم. فأرسل إليه، فجاء
الرسول
[1]
الدوشابي: نسبة إلى الدوشاب و هو نبيذ التمر معرّب؛ قال ابن المعتز: