فقال الحارث:
اكففه عنّي يا محمد، و أؤدّي إليك دية الحفارة [2]؛ فأدّى إلى النبيّ صلّى اللّه
عليه و سلّم سبعين عشراء [3]، و كذلك دية الخفارة، و قال: يا محمد، أنا عائذ بك من
شرّه، فلو مزج البحر بشعره مزجه.
أنشد شعرا
بلغ النبي فآلمه فضربه ابن المعطل و عوّضه النبي:
أخبرنا أحمد بن
عبد العزيز قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثني إبراهيم بن المنذر قال حدّثنا عبد
اللّه بن وهب قال أخبرنا العطّاف بن خالد قال:
كان حسّان بن
ثابت يجلس إلى أطمه فارع، و يجلس معه أصحاب له و يضع لهم بساطا يجلسون عليه؛ فقال
يوما، و هو يرى كثرة من يأتي إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم من العرب فيسلمون:
فبلغ ذلك رسول
اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم، فقال: «من لي بأصحاب البساط بفارع؟». فقال صفوان بن
المعطّل: أنا لك يا رسول اللّه منهم؛ فخرج إليهم فاخترط سيفه، فلمّا رأوه عرفوا
الشرّ في وجهه ففرّوا و تبدّدوا، و أدرك حسّان داخلا بيته، فضربه و فلق أليته.
قال: فبلغنا أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم عوّضه و أعطاه حائطا [6]، فباعه من
معاوية بعد ذلك بمال كثير، فبناه معاوية قصرا، و هو الذي يقال له: «قصر الدّارين».
و قد قيل: إنّ صفوان بن المعطّل إنما ضرب حسّان لما قاله فيه و في عائشة زوج
النبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم من الإفك [7]؛ لأن صفوان/ هو الذي رمى أهل الإفك عائشة
به.
[1]
السخبر: شجر إذا طال تدلت رءوسه و انحنت، و قيل: هو شجر من شجر الثمام له قضب
مجتمعة و جرثومة. و في «اللسان» يقال:
[3] العشراء
من النوق: التي مضى على حملها عشرة أشهر، و قيل: ثمانية.
[4] كذا في
أكثر الأصول، و هو الموافق لما في «الطبري» (ص 1526 من القسم الأوّل) و «اللسان»
مادة «بيض» و «التنبيه»: (ص 76 طبع دار الكتب المصرية) و «الأضداد في اللغة» (ص
118 طبع بيروت). و قال البكري في «التنبيه»: «و كان المنافقون يسمون المهاجرين رضي
اللّه عنهم الجلابيب». و في «اللسان»: «أراد بالجلابيب سفلة الناس و غثراءهم». و
في س و «تاج العروس شرح القاموس» (ج 5 ص 12) و «الديوان»: «الخلابيس». و قال في
«الشرح»: الخلابيس: الأخلاط من كل وجه». (انظر «ديوانه» المطبوع في ليدن سنة 1910
ص 91).
[5] العرب
تقول للرجل: هو بيضة البلد، يمدحونه بذلك، و تقول للآخر: هو بيضة البلد، يذمونه
بذلك. و الممدوح يراد به البيضة التي يحضنها الظليم و يقيها؛ لأن فيها فرخه. و
المذموم يراد به البيضة المنبوذة بالعراء المذرة التي لا حافظ لها و لا يدري لها
أب و هي تريكة الظليم. قال الرمّاني: إذا كانت النسبة إلى مثل المدينة و مكة و
البصرة فبيضة البلد مدح، و إذا نسب إلى البلاد التي أهلها أهل ضعة فبيضة البلد ذم.
[6] الحائط:
البستان. و في كتاب «التنبيه» للبكري: فأعطاه النبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم عوضا:
بيرحاء (و هي قصر بني جديلة اليوم بالمدينة)، و سيرين (أمة قبطية و هي أم عبد
الرحمن بن حسان رضي اللّه عنهما). و سيذكر المؤلف هذه الرواية في ص 162 من هذا
الجزء.
[7] يعني أبو
الفرج بالإفك هنا الحديث الذي تخرّصه قوم على عائشة رضي اللّه عنها، و كان ذلك عقب
غزوة غزاها النبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم كان يستصحب فيها عائشة؛ فحدث أنه أمر
بالرحيل، و كانت عائشة منطلقة لبعض شأنها، فأمر بهودجها فحمل على بعيره، و ظن
القوم أنها فيها و لم تكن هناك. فلما رجعت عائشة إلى الهودج ألفت النبيّ صلّى
اللّه عليه و سلّم و أصحابه قد ارتحلوا؛ فمكثت مكانها حتى عثر بها صفوان بن
المعطل؛ فرجعها إلى المدينة؛ فأرجف بها أناس و رموها بالإفك، و كان منهم حسان بن
ثابت رضي اللّه عنه.