أمس. و قال آخر: سكنت حركة الملك في لذّاته، و قد حرّكنا اليوم في سكونه جزعا لفقده. و هذان المعنيان هما اللذان ذكرهما أبو العتاهية في هذه الأشعار.
سأله جعفر بن الحسين عن أشعر الناس فأنشده من شعره:
أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثني جعفر بن الحسين المهلّبيّ قال:
لقينا أبو العتاهية فقلنا له: يا أبا إسحاق، من/ أشعر الناس؟ قال: الذي يقول:
اللّه أنجح ما طلبت به
و البرّ خير حقيبة الرّحل [1]
فقلت: أنشدني شيئا من شعرك؛ فأنشدني:
يا صاحب الرّوح ذي الأنفاس في البدن [2]
بين النهار و بين الليل مرتهن
لقلّما يتخطّاك اختلافهما
حتى يفرّق بين الرّوح و البدن
/ لتجذبنّي [3] يد الدّنيا بقوّتها
إلى المنايا و إن نازعتها رسني
للّه دنيا أناس دائبين لها
قد ارتعوا في رياض الغيّ و الفتن [4]
كسائمات رتاع [5] تبتغي سمنا
و حتفها لو درت في ذلك السّمن
قال: فكتبتها، ثم قلت له: أنشدني شيئا من شعرك في الغزل؛ فقال: يا ابن أخي، إنّ الغزل يسرع إلى مثلك.
فقلت له: أرجو عصمة اللّه جل و عزّ. فأنشدني:
كأنّها من حسنها درّة
أخرجها اليمّ إلى الساحل
كأن في فيها و في طرفها
سواحرا أقبلن من بابل
لم يبق منّي حبّها ما خلا
حشاشة في بدن ناحل
يا من رأى قبلي قتيلا بكى
من شدّة الوجد على القاتل
فقلت له: يا أبا إسحاق، هذا قول صاحبنا جميل:
خليليّ فيما عشتما هل رأيتما
قتيلا بكى من حبّ قاتله قبلي
فقال: هو ذاك يا بن أخي و تبسّم.
شعره في التحسر على الشباب:
أخبرني محمد بن القاسم الأنباريّ قال حدّثني أبي قال حدّثني أبو عكرمة عن شيخ له من أهل الكوفة قال:
[2] كذا في «ديوانه». و في جميع الأصول: «و الأنفاس و البدن».
[3] كذا في «الديوان». و في الأصول: «لتجذبن به الدنيا ...».
[4] ورد هذا البيت في «الديوان» هكذا:
للّه درّ أناس عمرت بهم
حتى رعوا في رياض الغيّ و الفتن
[5] رتاع: جمع راتعة. و في «الديوان»: «رواع» جمع راعية، و هما بمعنى.