responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الاغانی المؤلف : ابو الفرج الإصفهاني    الجزء : 21  صفحة : 176

لما أخرج هدبة من السجن ليقتل، جعل الناس يتعرّضون له و يخبرون صبره، و يستنشدونه، فأدركه عبد الرحمن بن حسّان [1]، فقال له: يا هدبة، أ تأمرني أن أتزوج هذه بعدك، يعني زوجته، و هي تمشي خلفه فقال: نعم، إن كنت من شرطها، قال: و ما شرطها؟ قال: قد قلت في ذلك:

فلا تنكحي إن فرّق الدهر بيننا

أغمّ القفا و الوجه ليس بأنزعا [2]

و كوني حبيسا أو لأروع ماجد

إذا ضنّ أعشاش الرّجال تبرّعا [3]

فمالت زوجته إلى جزّار و أخذت شفرته، فجدعت بها أنفها، و جاءته تدمى/ مجدوعة فقالت: أ تخاف أن يكون بعد هذا نكاح؟ قال: فرسف في قيوده و قال: الآن طاب الموت.

و قال النوفليّ عن أبيه:

إنها فعلت ذلك بحضرة مروان و قالت له: إن لهدبة عندي وديعة، فأمهله حتى آتية بها، قال: أسرعي، فإن الناس قد كثروا، و كان جلس لهم بارزا عن داره [4]، فمضت إلى السّوق، فانتهت إلى قصّاب و قالت: أعطني شفرتك، و خذ هذين الدرهمين و أنا أردّها عليك، ففعل، فقربت من حائط، و أرسلت ملحفتها على وجهها، ثم جدعت أنفها من أصله، و قطعت شفتيها، ثم ردّت الشفرة، و أقبلت حتى دخلت بين الناس و قالت: يا هدبة، أ تراني متزوجة بعد ما ترى؟ قال: لا، الآن طابت نفسي بعد بالموت، ثم خرج يرسف في قيوده، فإذا هو بأبويه يتوقعان الثّكل، فهما بسوء حال، فأقبل عليهما و قال:

أبلياني اليوم صبرا منكما

إنّ حزنا إن بدا بادى‌ء شرّ

لا أراني اليوم إلا ميّتا

إنّ بعد الموت دار المستقرّ [5]

اصبرا اليوم فإني صابر

كلّ حيّ لقضاء و قدر

زوجته تنكث بعهدها

: قال النوفليّ: فحدثني أبي قال:

حدثني رجل من عذرة عن أبيه قال: إني لببلادنا يوما في بعض المياه، فإذا أنا بامرأة تمشي أمامي و هي مدبرة، و لها خلق عجيب من عجز و هيئة، و تمام جسم، و كمال قامه، فإذا صبيّان قد اكتنفاها يمشيان، قد ترعرعا، فتقدّمتها، و التفتّ إليها، فإذا هي أقبح منظر، و إذا هي مجدوعة الأنف، مقطوعة الشفتين، فسألت عنها فقيل لي:

هذه امرأة هدبة، تزوّجت [6] بعده رجلا، فأولدها هذين الصّبيّين.

أخو زيادة يرفض كل شفاعة ودية

:______________________________

[1] ضبطنا حسان بالفتح على أنه مأخوذ من الحس، فهو ممنوع من الصرف.

[2] في هد

«أغم القفا و الرأس»

. [3] أعشاش الرجال: من عش معروفة بمعنى قلله، يقول لها: كوني حبيس خدرك أو تزوجي ماجدا.

[4] ب «بإزاء داره».

[5] في «المختار»:

«لا أرى ذا اليوم إلا هينا»

. [6] و هكذا صدق الشاعر حين يقول:

و إن حلفت لا تنقض الدهر عهدها

فليس لمخضوب البنان يمين‌

اسم الکتاب : الاغانی المؤلف : ابو الفرج الإصفهاني    الجزء : 21  صفحة : 176
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست