لما أخرج هدبة من السجن
ليقتل، جعل الناس يتعرّضون له و يخبرون صبره، و يستنشدونه، فأدركه عبد الرحمن بن
حسّان [1]، فقال له: يا هدبة، أ تأمرني أن أتزوج هذه بعدك، يعني زوجته، و هي تمشي
خلفه فقال: نعم، إن كنت من شرطها، قال: و ما شرطها؟ قال: قد قلت في ذلك:
فمالت زوجته إلى جزّار و
أخذت شفرته، فجدعت بها أنفها، و جاءته تدمى/ مجدوعة فقالت: أ تخاف أن يكون بعد هذا
نكاح؟ قال: فرسف في قيوده و قال: الآن طاب الموت.
و قال النوفليّ عن أبيه:
إنها فعلت ذلك بحضرة مروان
و قالت له: إن لهدبة عندي وديعة، فأمهله حتى آتية بها، قال: أسرعي، فإن الناس قد
كثروا، و كان جلس لهم بارزا عن داره [4]، فمضت إلى السّوق، فانتهت إلى قصّاب و
قالت: أعطني شفرتك، و خذ هذين الدرهمين و أنا أردّها عليك، ففعل، فقربت من حائط، و
أرسلت ملحفتها على وجهها، ثم جدعت أنفها من أصله، و قطعت شفتيها، ثم ردّت الشفرة،
و أقبلت حتى دخلت بين الناس و قالت: يا هدبة، أ تراني متزوجة بعد ما ترى؟ قال: لا،
الآن طابت نفسي بعد بالموت، ثم خرج يرسف في قيوده، فإذا هو بأبويه يتوقعان الثّكل،
فهما بسوء حال، فأقبل عليهما و قال:
حدثني رجل من عذرة عن أبيه
قال: إني لببلادنا يوما في بعض المياه، فإذا أنا بامرأة تمشي أمامي و هي مدبرة، و
لها خلق عجيب من عجز و هيئة، و تمام جسم، و كمال قامه، فإذا صبيّان قد اكتنفاها
يمشيان، قد ترعرعا، فتقدّمتها، و التفتّ إليها، فإذا هي أقبح منظر، و إذا هي
مجدوعة الأنف، مقطوعة الشفتين، فسألت عنها فقيل لي:
هذه امرأة هدبة، تزوّجت
[6] بعده رجلا، فأولدها هذين الصّبيّين.
أخو زيادة يرفض كل شفاعة
ودية
:______________________________
[1]
ضبطنا حسان بالفتح على أنه مأخوذ من
الحس، فهو ممنوع من الصرف.