لما هجا ابن قنبر مسلم بن
الوليد أمسك عنه مسلم بعد أن أشلى [1] عليه لسانه قال: فجاءه عمّ له فقال له:
يا هذا الرجل، إنك عند
الناس فوق ابن قنبر في عمود الشعر، و قد بعث [2] عليك لسانه ثم أمسكت عنه، فإما أن
قارعته أو سالمته. فقال له مسلم: إن لنا شيخا و له مسجد يتهجّد فيه، و له بين ذلك
دعوات يدعو بهنّ، و نحن نسأله أن يجعله من بعض دعواته، فإنا نكفاه، فأطرق الرجل
ساعة ثم قال:
غلب ابن قنبر و
اللئيم مغلّب
لما اتّقيت هجاءه بدعاء
ما زال يقذف بالهجاء
و لذعه
حتى اتّقوه بدعوة الآباء!
قال: فقال له مسلم: و
اللّه ما كان ابن قنبر يبلغ مني هذا كلّه، فأمسك لسانك عني، و تعرّف خبره بعد هذا.
قال: فبعث- و اللّه- عليه
من لسان مسلم ما أسكته. هكذا جاء في الأخبار.
و قد حدّثني بخبر مناقضته
ابن قنبر جماعة ذكروا قصائدهما جميعا، فوجدت في الشعر الفضل لابن قنبر عليه، لأن
له عدة قصائد لا نقائض لها، يذكر فيها تعريده [3] عن الجواب، و قصائد يذكر فيها
أنّ مسلما فخر على قريش و على النبي صلّى اللّه عليه و سلّم و رماه بأشياء تبيح
دمه، فكفّ مسلم عن مناقضته خوفا منها، و جحد أشياء كان قالها فيه.
فمن أخبرني بذلك هاشم بن
محمد الخزاعيّ، قال:
حدّثني عبد اللّه بن عمرو
بن أبي سعد قال: حدّثني محمد بن عبد اللّه بن الوليد مولى الأنصار، و كان عالما
بشعر مسلم بن الوليد و أخباره، قال:
سبب المهاجاة بينه و بين
ابن قنبر
كان سبب المهاجاة بين مسلم
بن الوليد و الحكم بن قنبر أنّ الطّرمّاح بن حكيم قد كان هجا بني تميم بقصيدته
الّتي يقول فيها:
لا عزّ نصر امرئ أضحى
له فرس
على تميم يريد النصر من أحد
إذا دعا بشعار الأزد
نفّرهم
كما ينفّر صوت الليث بالنّقد
لو حان ورد تميم ثم
قيل لهم:
حوض الرسول عليه الأزد، لم ترد
أو أنزل اللّه وحيا
أن يعذّبها
إن لم تعد لقتال الأزد، لم تعد
و هي قصيدة طويلة، و كان
الفرزدق أجاب الطّرماح عنها، ثم إن ابن قنبر المازنيّ قال بعد خبر طويل يرد على
الطّرمّاح: