كانت بذل صفراء مولّدة من
مولّدات المدينة، و ربّيت بالبصرة، و هي إحدى المحسنات المتقدّمات، الموصوفات
بكثرة الرّواية، يقال: إنها كانت تغنّي ثلاثين ألف صوت. و لها كتاب في الأغاني
منسوب الأصوات غير مجنّس، يشتمل على اثني عشر ألف صوت، يقال: إنها عملته لعليّ بن
هشام. و كانت حلوة الوجه ظريفة، ضاربة متقدّمة، و ابتاعها جعفر بن موسى الهادي،
فأخذها منه محمد الأمين، و أعطاه مالا جزيلا، فولدهما جميعا يدّعون ولاءها. فأخذت
بذل عن أبي سعيد مولى فائد و دحمان و فليح و ابن جامع و إبراهيم، و طبقتهم.
أروى خلق اللّه للغناء
و قرأت على جحظة، عن أبي
حشيشة في كتابه الذي جمعه من أخباره و ما شاهده،/ قال:
كانت بذل من أحسن الناس
غناء في دهرها، و كانت أستاذة كلّ محسن و محسنة، و كانت صفراء مدنية، و كانت أروى
خلق اللّه تعالى للغناء، و لم يكن لها معرفة.
احتيال الأمين في أخذها
و كانت لجعفر بن موسى الهادي،
فوصفت لمحمد بن زبيدة، فبعث إلى جعفر يسأله أن يريه إيّاها، فأبى، فزاره محمد إلى
منزله، فسمع شيئا لم يسمع مثله، فقال لجعفر: يا أخي، بعني هذه الجارية. فقال: يا
سيّدي، مثلي لا يبيع جارية، قال: فهبها لي، قال: هي مدبّرة [1]. فاحتال عليه محمد
حتى أسكره، و أمر ببذل فحملت معه إلى الحرّاقة، و انصرف بها.
/ فلما
انتبه سأل عنها فأخبر بخبرها، فسكت، فبعث إليه محمد من الغد، فجاءه و بذل جالسة
فلم يقل شيئا.
فلما أراد جعفر أن ينصرف
قال: أوقروا حرّاقة ابن عمّي دراهم، فأوقرت.
قال: فحدثني عبد اللّه بن
الحنينى- و كان أبوه على بيت مال جعفر بن موسى- أنّ مبلغ ذلك المال كان عشرين ألف
ألف درهم.
قال: و بقيت بذل في دار
محمد إلى أن قتل، ثم خرجت، فكان ولد جعفر و ولد محمد يدّعون ولاءها. فلما ماتت
ورثها ولد عبد اللّه بن محمّد بن زبيدة.
[1]
المدبرة: المعتقة بعد الموت. و في
هامش أ «المدبر من الرقيق: الذي يقول
له سيده بعد الموت: أنت حر بعد دبر مني»، أي بعد وفاتي.