فبلغ ذلك خالدا، فقال:
فعلها! و اللّه لأقتلنّه. ثم اشترى ثلاثين جارية بأغلى ثمن، و تخيّرهنّ نهاية في
حسن الوجوه و الكمال و الأدب، فروّاهنّ/ الهاشميّات، و دسّهنّ مع نخّاس إلى هشام
بن عبد الملك، فاشتراهنّ جميعا، فلما أنس بهنّ استنطقهنّ، فرأى فصاحة و أدبا،
فاستقرأهنّ القرآن، فقرأن، و استنشدهنّ الشعر، فأنشدنه قصائد الكميت الهاشميّات.
فقال: ويلكنّ! من قائل هذا الشعر؟ قلن: الكميت بن زيد الأسديّ. قال: و في أيّ بلد
هو؟
قلن: في العراق، ثم
بالكوفة. فكتب إلى خالد و هو عامله على العراق: ابعث إليّ برأس الكميت بن زيد،
فبعث خالد إلى الكميت في الليل، فأخذه و أودعه السّجن. و لما كان من الغد أقرأ من
حضره من مضر كتاب هشام، و اعتذر إليهم من قتله، و آذنهم في إنفاذ الأمر فيه في غد،
فقال لأبان بن الوليد البجليّ- و كان صديقا للكميت-:
انظر ما ورد في صديقك.
فقال: عزّ عليّ و اللّه [ما] به، ثم قام أبان، فبعث إلى الكميت فأنذره، فوجّه إلى
امرأته.
مسلمة بن هشام يجيره و
يحتال في خلاصه
ثم ذكر الخبر في خروجه و
مقامها مكانه، كما ذكر من تقدّمه. و قال فيه: فأتى مسلمة بن عبد الملك فاستجار به،
فقال: إني أخشى ألّا ينفعك جواري عنده، و لكن استجر بابنه مسلمة بن هشام. فقال: كن
أنت السفير بيني و بينه في ذلك، ففعل مسلمة، و قال لابن أخيه: قد أتيتك بشرف
الدّهر، و اعتقاد الصّنيعة في مضر، و أخبره الخبر؛ فأجاره مسلمة بن هشام. و بلغ
ذلك هشاما فدعا به، ثم قال: أ تجير على أمير المؤمنين بغير أمره؟! فقال: كلّا، و
لكني انتظرت سكون غضبه. قال: أحضرنيه الساعة، فإنه لا جوار لك. فقال مسلمة للكميت:
يا أبا المستهلّ، إنّ أمير المؤمنين أمرني بإحضارك. قال: أ تسلمني يا أبا شاكر؟
قال: كلّا، و لكني أحتال لك، ثم قال له: إنّ معاوية بن هشام مات قريبا، و قد جزع
عليه جزعا شديدا، فإذا كان/ من الليل فاضرب رواقك على قبره، و أنا أبعث إليك بنيه
يكونون معك في الرّواق، فإذا دعا بك تقدّمت إليهم أن يربطوا ثيابهم بثيابك، و
يقولوا: هذا استجار بقبر أبينا، و نحن أحقّ من أجاره.
فأصبح هشام على عادته
متطلّعا من قصره إلى القبر، فقال: من هذا؟ فقالوا: لعلّه مستجير بالقبر! فقال:
يجار من كان إلّا الكميت؛
فإنه لا جوار له. فقيل: فإنه الكميت، قال: يحضر أعنف إحضار. فلما دعي به ربط
الصبيان ثيابهم بثيابه. فلما نظر هشام إليهم اغرورقت عيناه و استعبر، و هم يقولون:
يا أمير المؤمنين، استجار بقبر أبينا، و قد مات، و مات حظّه من الدنيا، فاجعله هبة
له و لنا، لا تفضحنا فيمن استجار به. فبكى هشام حتى انتحب، ثم أقبل على الكميت
فقال له: يا كميت، أنت القائل:
خطبته بين يدي هشام و
إنشاده بعض مدائحه في بني أمية
فقال: لا، و اللّه، و لا
أتان من أتن الحجاز وحشيّة، فحمد اللّه و أثنى عليه و صلّى على نبيّه، ثم قال:
أمّا بعد فإنّي كنت أتدهدى [2] في غمرة، و أعوم في بحر غواية، أخنى عليّ خطلها، و
استفزّني وهلها [3]؛ فتحيّرت في
[1]
ردى يردى، إذا رجم الأرض رجما بين
العدو و المشي الشديد. و الشازب: الذي فيه ضمور، و جمعه شزّب.